أرقام صادمة -طلعت إسماعيل

أرقام صادمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من السهل على وزارة الداخلية العراقية أن تنفي صحة الأرقام التي قالت إن مليون عراقي قتلوا منذ الغزو الأميركي لبلاد الرافدين في مارس 2003 وحتى أغسطس 2007.

ومن السهل أيضاً التشكيك في الأرقام التي رصدتها الدراسة التي أجراها مركز استطلاعات الرأي «اوبينيون ريسرش بيزنس» البريطاني التي قالت إن الحرب والعنف الذي رافقها على مدى نحو خمس سنوات أوقع ما بين 946 ألفاً ومليون و33 ألف قتيل عراقي. لكن الوقائع والمعاناة التي يمر بها الشعب العراقي لا يمكن إنكارها بمجرد إطلاق تصريح مشكك أو إعطاء أرقام مضادة لا تتجاوز 100 ألف قتيل وجريح منذ منتصف عام 2004 وحتى الآن.

المركز البريطاني أعطى أرقاماً من خلال دراسة ميدانية شملت حوالي 2414 عراقياً تبلغ أعمارهم 18 عاماً على الأقل جرى سؤالهم ما إذا كانت أسرهم شهدت موت أحد أفرادها بسبب أعمال العنف. فكانت الأرقام التقديرية التي جاءت أقل من دراسة أخرى قدرت في أغسطس 2007 ضحايا العنف في العراق بنحو 2,1 مليون قتيل.

وإذا أضفنا إلى تلك الأرقام وجود نحو 5 ,4 ملايين لاجئ عراقي، ونحو مليوني أرملة ومطلقة يمثلن قنابل اجتماعية موقوتة وفق تقديرات مكتب النائب في البرلمان العراقي سميرة الموسوي استناداً إلى تقرير لوزارة التخطيط في منتصف عام 2007، أو مليونين حسب تقدير آخر قدمته نرمين عثمان وزيرة شؤون المرأة بالإنابة.

ومن بين تلك الأرقام الكبيرة لأرامل العراق يحصل 84 ألف أرملة فقط على دعم حكومي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية يتراوح 40 ـ 95 دولاراً شهرياً، يمكن أن نتخيل حجم المأساة وكم المعاناة، وما يمكن أن ينتج عن هذا الوضع من مشكلات اجتماعية تحتاج إلى سنوات طويلة للتخلص من آثارها المدمرة على نسيج المجتمع العراقي.

هذه الأرقام المؤكد أنها تزعج الحكومة العراقية التي تحاول خلق انطباع أن كل شيء يجري على خير ما يرام، وكأن البلاد ليست محتله ولا تعاني من العنف وعمليات القتل اليومية، ولابد وأن تكون أكثر إزعاجاً بالنسبة للمحتل الأميركي الذي لم تفلح قواته في إعادة الهدوء النسبي إلى بعض المدن العراقية من دون استقطاب العشائر وتشكيل مجالس الصحوة التي قاتل أفرادها في فترات سابقة الجنود الأميركيين أنفسهم.

ولعل تكرار تأكيد الرئيس الأميركي جورج بوش في خطابه الأخير عن حالة الاتحاد في أن القوات الأميركية تنتظر معارك شرسة، خير دليل على أن الوضع الأمني لا يزال بعيداً عن السيطرة، حتى أن بعض التقارير تحدثت عن إمكانية تراجع وزارة الدفاع الأميركية عن خطط تخفيض قواتها في العراق الصيف المقبل بنحو 30 ألف جندي.

ومن هنا كان ربط بوش بين سحب الجنود وتقرير ينتظر رفعه قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس والقادة الميدانيون الآخرون حول ما يمكن أن يحدث على الأرض.

وعلى الأرض للأسف لا تزال دوامة العنف قائمة وإعلان النصر النهائي لا يزال أيضاً مؤجلاً والباب يبقى موصداً في وجه الأميركيين الذي يكابرون في الاعتراف بالمأزق الذي يجدون أنفسهم عالقين فيه.

ففضلاً عن اقتراب قتلى الجيش الأميركي من حاجز الأربعة آلاف قتيل و26 ألف جريح، كشف تقرير عسكري أميركي ازدياد عدد الجنود الأميركيين الذين انتحروا إثر عودتهم من العراق وأفغانستان ليصل إلى 121 في 2007 بارتفاع 20% عن العام الذي سبقه، في حين بلغ عدد الذين حاولوا الانتحار 2100 .

وهو أكثر 6 مرات مما كان عليه منذ اجتياح العراق سنة 2003. الأفضل من التشكيك في الأرقام التي تقدمها منظمات مستقلة عن الواقع المأساوي في العراق أن يعترف الاحتلال بمسؤوليته عنها ولا تجاريه الحكومة العراقية في التنصل منها بما يعطيه المبررات للهروب من تحمل تبعات ما صنعت يداه من مآسٍ.

Email