المزايدة على السيدة فيروز

المزايدة على السيدة فيروز

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تفتأ قوى الرابع عشر من آذار أن تبحث عن أي ذريعة تشكك بها في سوريا والنظام السوري. ورغم العديد من الانتقادات التي يمكن أن يلقيها المرء على كاهل النظام السوري، فإنه لا يختلف عن غيره من العديد من الأنظمة العربية الأخرى، بل إن مشاكل النظام السوري لا تختلف في قليل أو كثير عن مشاكل قوى الرابع عشر من آذار الذين يدعون الديمقراطية والعدل والمساواة.

الإشكال الرئيس أن فريق الأكثرية مصاب بمرض اسمه سوريا، فإذا أصابت السيد جنبلاط أية أعراض معدية فالسبب يكمن في المخابرات السورية، وإذا أصابت الإنفلونزا السيد سعد الحريري فإنه لابد أن تكون السلطات السورية هي من دبر هذا الأمر. شيء مضحك أن يقبل فريق الأكثرية بمثل هذا التفسير الساذج الذي يعني أنهم لا حول لهم ولا قوة.

وبالتالي لا يصب في ناحية أحقيتهم بالسلطة وقيادة الأمور في لبنان. ومن المضحك هنا أن أمام هذا الفريق العديد من القوى الأخرى التي يمكن اتهامها بما يحدث في لبنان مثل إسرائيل وغيرها من القوى اللبنانية الداخلية الأخرى.

آخر تقليعات فريق السلطة الحاكم في لبنان هو إرهاب الفنانة العظيمة فيروز التي قبلت بالغناء في دمشق، بوصفها عاصمة للثقافة العربية للعام 2008. فالحملة المستعرة التي تطلقها قوى الرابع عشر من آذار لا تعرف حدودا للعقل وإمكانية للتواصل والحوار.

بل إنها لا تعترف من الأصل بدمشق عاصمة للثقافة العربية، وهو الأمر الذي ينفي تلك الادعاءات الكاذبة التي يطلقها أعضاء هذا الفريق حينما يفرقون بين الشعب السوري والقيادة السورية.

فكل ما ينطق بالسورية أو يمت بصلة ما لسوريا يصب في خانة الأعداء والخيانة والاستبداد والتنكيل والقتل. وهو منطق مريض وغير عقلاني يجعل من سوريا في النهاية سبب كل ما يعاني منه لبنان واللبنانيون.

وما حدث أن الفنانة الجليلة فيروز قبلت أن تعرض مسرحيتها «صح النوم» على مسرح الأوبرا السورية في دمشق ضمن احتفالاتها باختيارها عاصمة للثقافة العربية 2008، فما كان من البعض إلا أن هاج وماج وطالبها بعد المشاركة في تلك المهزلة الاحتفالية على حد قوله.

فالسيد جنبلاط، المدعم بفرنسا وأميركا وبعض العواصم العربية المركزية، رأى في غناء السيدة فيروز في دمشق تبرعا «لأجهزة المخابرات السورية التي تفهم ثقافة القتل والاستبداد والقهر والظلم والبطش ولا تقدر الفن» وهو قول يجافي الحقيقة بدرجة كبيرة، ويصب في إرهاب السيدة فيروز وإقحامها في لعبة السياسة القذرة التي يفهم السيد جنبلاط أبعادها بقدر كبير من المهارة.

وهو ما قام به السيد أكرم شهيب النائب الذي ينتمي لكتلة السيد جنبلاط حينما دعى فيروز إلى «عدم تصديق تلك المهزلة التي تسمي دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008».

مؤكدا على ضرورة ألا تغني فيروز في دمشق. وينسي النائب المحترم أن اعتبار اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية مهزلة يصب في نفي سوريا والسوريين، وينفي أية ادعاءات يطلقها فريق الرابع عشر من آذار على ضرورة الفصل بين الشعب السوري وبين النظام السوري.

وهو الأمر الذي يخفيه هذا الفريق، الذي يضمر الكراهية ليس فقط للنظام السوري الذي يحمله كل مآسي لبنان، ولكنه يضمرها أيضا للشعب السوري ولكل ما يمت بصلة من قريب أو بعيد لسوريا.

إن فيروز أكبر من كل تلك الانقسامات السياسية الحادة، التي لا تعرف أي قدر من العقلانية، حيث محركها الرئيس هو الكراهية والانقسام وتصفية الحسابات، وهو ما لم يندرج بعد ضمن مفردات السيدة فيروز وقاموسها الفني العريق. وهو الأمر الذي أكدته السيدة ريم الرحباني ابنة فيروز التي أكدت على أن «فيروز لا تريد الدخول في سجالات وهى أعلى من كل هذه الأشياء ولن ترد على أحد».

ورغم أن السيدة فيروز لم تغن في سوريا منذ العام 1985، احتراما للرأي العام للبناني الرافض للوجود السوري في لبنان، فإنها الآن تغني للشعب السوري بعد أن خرجت القوات السورية من لبنان تحقيقا لمطالب اللبنانيين أنفسهم.

فماذا يريد الذين يريدون منعها من الغناء في سوريا الآن؟ لقد عبرت السيدة ريم الرحباني عن ذلك الموقف أيضا بدرجة كبيرة من الصدق والوضوح حينما قالت «السوريون خرجوا من لبنان ولكن هل الذين يتحدثون الآن هم الملائكة».

نعم لقد خرج السوريون من لبنان ولكن مازال الملائكة ينعقون كل يوم في إثر سوريا وكل ما يرتبط بها من قريب أو بعيد!!

لم يكن المرء يتصور أن الانتهازية السياسية يمكن أن تدفع البعض من قوى الرابع عشر من آذار على الهجوم على السيدة الجليلة فيروز وإرهابها بتلك التحذيرات المخيفة التي لا تقل إرهابا عما يتهمون به النظام السوري ذاته.

وخيرا فعلت فيروز حينما تجاهلت تلك الدعاوى والاتهامات المغلوطة، وذهبت للشعب السوري العظيم لتغني له ولتطربه ولتخفف عنه أعباء السياسة إن فيروز فنانة وليست قديسة كما قال البعض، وكونها فنانة يمنحها الحق أن تختار مواقفها الفنية الممتزجة بالسياسة بدون أن يرهبها أو يخيفها أي أحد أو أي تيار سياسي. فالبعض مازال يتعامل مع الآخرين ضمن أطره السياسية الضيقة وضمن أيديولوجياته الخانقة، ولا يتصور إمكانية الخروج من تحت عباءته وتحيزاته الشخصية.

وهو الأمر الذي لا يريد أن يفهمه أعضاء الرابع عشر من آذار. مبروك للشعب السوري اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية، ومبروك لهم الغناء الفيروزي الملائكي، ومبروك لفيروز انفلاتها من قيود السياسيين وحساباتهم النفعية الضيقة.

كاتب مصري

salehabdelazim@hotmail.com

Email