المجتمع والقبيلة في الخليج

المجتمع والقبيلة في الخليج

ت + ت - الحجم الطبيعي

القبيلة في منطقة الخليج تشكل التنظيم الأكبر اجتماعيا حيث تمثل التكوينات القبلية في الخليج نسبة كبيرة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التواجد الكبير لثقافة القبيلة في المجتمعات الخليجية، ويسهل اكتشاف ذلك باستعراض المجموعات السكانية الكبرى والتي تنتهي أسماؤها باسم القبيلة.

في الخليج هناك الكثير من القرى والمدن الصغيرة التي يسكنها أفراد من قبيلة واحدة وهذه التجمعات السكانية تمنح تلك القبائل حضورا اجتماعيا مميزا يجعل تلك القبائل تحافظ على مدنها وقراها وتمنحها اهتماما خاصا.

بقية السكان في الخليج وهم نسبة ليست بالكبيرة في مقابل القبليين يعيشون في انتماءات متفاوتة في تسميتها وتركيبتها الطبقية في المجتمع ولكن القبيلة ظلت الطبقة الأولى المفضلة اجتماعيا من حيث دورها الاقتصادي والسياسي، ولم تستطع التحولات الاقتصادية أو الاجتماعية إحداث تغيير جذري في أهمية القبيلة كمحور اجتماعي.

المجتمع الخليجي مجتمع قبلي بلا ادني شك ومن يشكك في ذلك فهو لا يعرف المجتمعات الخليجية فالمراقب للتكوينات السكانية في الدول الخليجية يدرك ذلك العمق الذي تتمتع به القبيلة في مقابل الاندماج الاجتماعي الذي تحكمه التنظيمات والأنساق،

حيث يظل الكثير من أفراد المجتمع حريصين على إثبات انتمائهم القبلي من خلال الأسماء أو البحث عن روابط عرقية تؤكد انتماءهم إلى قبائلهم. ثقافة القبيلة وانتشارها جزء لابد من التعامل معه كحقيقة في مجتمعاتنا الخليجية ودرجة الانتماء القبلي متفاوتة بين أبناء الخليج من حيث عمق المفهوم القبلي والحاجة إليه اجتماعيا.

في بعض بلدان الخليج يقف الانتماء القبلي على مسافة بعيدة عن المجتمع بتكويناته وتنظيماته الاقتصادية والسياسية بينما في دول أخرى يشكل الانتماء القبلي بعدا ملموسا بل أكثر تفاعلا وتداخلا مع الحياة الاجتماعية ومنظومتها،

وقد تجد أن القبلية في تلك المجتمعات تظهر ملامحها وتكويناتها عند استعراضك للمسار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في ذلك المجتمع. القبيلة في الخليج تمثل نموذجا قريبا من النموذج الأساسي للقبيلة العربية القديمة من طريقة الانتماء وتسلسل الصلات القرابية.

في تاريخ القبيلة العربية نجد أن محاولة الإسلام في تحييد دورها بشكله السياسي لم تنجح إلى درجة كبيرة فقد اعترف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في حديثه أن التفاخر في الأنساب من القضايا التي يصعب على الأمة تركها بسهولة.

التغيرات الاجتماعية التي اجتاحتنا لم تستطع أن تلغي مهمة القبيلة ودورها في تركيبة الفرد حتى انه أصبح من الواضح انه لا علاقة بين ارتفاع مستوى التعليم والتخلي عن الانتماء إلى القبيلة. لقد كانت النتائج في هذا الجانب عكسية تماما فقد لوحظ أن ارتفاع مستوى التعليم وخاصة الدرجات العليا يجعل الفرد أكثر تمسكا بالقبيلة لكون القبيلة قد تضمن له مكانة اجتماعية وسياسية داخل وخارج القبيلة، هذه فرضية سهل إثباتها بشكل صحيح ومؤشرات هذه الفرضية تدعم كونها حقيقة مطلقة.

التحولات الاجتماعية وبكل أسف في منطقتنا الخليجية لم تنجح في التخفيف من دور القبيلة والسبب في ذلك أنها تعاملت مع القبيلة كتكوين أسري وقرابي فقط واستبعدت أثراها الاجتماعي وهنا كانت الإشكالية حيث ظلت التكوينات الأساسية للقبيلة في أفرادها دون مساس.

القبيلة وامتدادها التاريخي وتفريعاتها وعمقها التاريخي هي المحور المحرك للقبيلة في الخليج وهذا يمنحها إيماننا عميقا لدى أفرادها من خلال إحساسهم بقيمتها العددية والتاريخية بالإضافة إلى قضية أساسية ألا وهي إحساس التكوينات القبلية بأن المجتمع يعتمد عليها في تشكيل وبناء تنظيماته وثقافته.

القبلية الخليجية تتميز عن غيرها بمكانتها العميقة لدى أفرادها والمجتمع وقدرتها على العيش في التكوين الاجتماعي مع مرور هذا العدد الهائل من السنوات والذي لم يكن بمحض الصدفة مع كل تلك الظروف السياسية والتاريخية بجانب الحروب العالمية والحروب التي عجزت أن تمحوا هذا التكوين الاجتماعي بطريقة سهلة.

القبيلة في المجتمع الخليجي نجحت في عقد صلحها الأول مع الاقتصاد وخاصة مع بروز الثروات النفطية حيث تمكنت القبيلة من استيعاب التكوين التنظيمي والإداري للمجتمع الخليجي والذي ظل بعيدا عن المساس أو التقاطع مع المصلحة القبلية.

لقد كانت الشروط القبلية تفترض أن لا يعمل المجتمع بتكوينه الاقتصادي والسياسي على إزالة أي من الآثار القبلية لدى أفراد المجتمع وان يترك لأفراد القبيلة حرية الانتماء إلى المنطقة الأبعد في قبيلتهم وهو حمل اسم القبيلة وتدوينه في بطاقتهم المدنية.

البطاقة المدنية في عرف القبيلة وليس المجتمع تحولت إلى بطاقة هوية قبلية أكثر منها هوية وطنية أو اجتماعية والسبب في ذلك أن البطاقة المدنية في مجتمعاتنا تتكون من منظومة من الأسماء التي يجب أن يسجل فيها ابعد الأجداد والفروع العائلية

ثم ينتهي في النهاية إلى اسم القبيلة. الكثير من الأفراد الذين لا ينتمون إلى قبيلة يشعرون ونتيجة لهذه الحالة بنوع من عدم الرضا والسخط على وجودهم الاجتماعي بل يعتبره الكثير منهم تجاهلا اجتماعيا لهم وهذه احد الإشكاليات التي يجب حلها بسرعة.

الحقيقة أن المجتمعات الخليجية لا تدعو إلى ذلك التجاهل بل ترفضه ولكن المشكلة الحقيقية هي في تجاهل المجتمع الخليجي لصناعة دور مختلف للقبيلة في المجتمع يتخطى حاجز استخدام الاسم والمظلة العائلية إلى تشكيل منظومة اجتماعية، من خلال استثمار التكوين الاجتماعي للقبيلة التي تحقق الترابط الاجتماعي بطريقة أسهل من كل البرامج الاجتماعية الهادفة إلى تحقيق التكامل الاجتماعي .

الكثير من المظاهر الاجتماعية إن لم يكن كلها تجعلنا نرضخ لدور القبلية الاجتماعي بل تعطينا الفرصة للتفكير بشكل جدي في الكيفية التي يمكن أن تتجاوز بها القبلية دورها التقليدي إلى دور أكثر تأثيرا ومساهمة في إحداث التحولات الاجتماعية والسياسية الهادفة إلى تطوير الإنسان الخليجي بشكل يتوافق تماما مع حجم الثروة الاقتصادية والاستقرار السياسي الذي يعيشه.

الدور الاجتماعي للقبيلة عملية أساسية لتحقيق التغير والتحول في المجتمع الخليجي، فالقبلية ليست جانبا سلبيا يجب تجاوزه، التكوين القبلي بناء يقوم عليه المجتمع الخليجي وسيظل، ولديه القدرة على تحديد مسار المجتمع وتكوين أنظمته، ولكن من غير المناسب ترك القبيلة دون تطوير في دورها الاجتماعي.

القبيلة الخليجية وبفضل التركيبة السياسية القائمة في هذه البلدان ليست بحاجة إلى مزيد من الدور السياسي ولكنها بحاجة إلى مزيد من الفرص الاجتماعية لتحقيق التطور في دورها الاجتماعي.

الكثير من القبائل قد يصل تعداد أفرادها إلى أرقام كبيرة وتشكل نسبة مهمة في المجتمعات المحلية وهذا يسهل عملية إيجاد نماذج وكتل سكانية تناط بتطوير اجتماعي وتوعوي يحقق أهدافه معتمدا على التماسك القبلي.

إذا كان التوجه السياسي في المنطقة الخليجية يدعم مشاركة المجتمع سياسيا فالقبيلة يجب أن تكون حاضرة ولكن ليس بمنهجية تقليديه تقوم على التمسك بالنسب والمنافسة مع الآخرين من اجل الفوز بالرقم القبلي وتكثير العدد.

القبيلة في المجتمع الخليجي وبسبب الكثير من المعطيات الاقتصادية والسياسية قادرة بكل احترافية من تساهم في إحداث التحولات المطلوبة ولكن بقي أن نفتح المجال للدراسات التي سوف تساعدنا علميا في الكشف عن انجح الوسائل لاستثمار هذا التكوين الاجتماعي الذي يجب أن لا يبقى مطمورا بمنهجيته التقليدية بعد اليوم.

تطوير الدور القبلي في مجتمعاتنا الخليجية يتطلب منا معرفة دقيقة بالكيفية التي تعمل بها تلك القبيلة اجتماعيا وبفهمنا لهذا الدور سوف نتمكن من إيجاد الصيغة المناسبة التي ندمج بها القبيلة مع غيرها من القبائل لتكوين مجتمع متوافق اجتماعيا ووطنيا خلاف ذلك قد تصبح القبلية النقطة الأضعف التي قد يستثمرها أعداء المجتمع للتأثير فيه وعليه.

كاتب سعودي

Mhkm1111@yahoo.com

Email