الإنسان هو الإنسان ليس ملاكا أو شيطانا.. لأن الملاك خير مطلق،والشيطان شر مطلق، بينما الإنسان حائر بين طريقين وفي داخله صراع بين جانبين، جانب من الخير نريده أن يكبر، وجانب من الشر نريده أن يصغر، وإذا كان مستحيلا أن يكون ملاكا فلا أقل من ألا يكون واحدا من أعوان الشيطان.
وفى كل مكان وزمان لا يوجد إنسان بلا خطأ أو بلا خطيئة، ولو سأل كل منا نفسه من منا بلا خطأ أو بلا خطيئة.. ستكون الإجابة باليقين لا أحد، فلا بشر على وجه الأرض يمكن أن يغادر بشريته ليكون من بين الملائكة، كما لا يقبل أن يسقط بأخطائه أو خطاياه إلى درجة الشياطين.
هذا هو الإنسان على مر الأزمان، ولهذا كان السيد المسيح عيسى عليه السلام ناطقا بالحق والحقيقة حين قال: «من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر»®. ولهذا ندعو الله أن يحفظنا، وطوبى لمن شغلته أخطاؤه عن أخطاء الآخرين!
طرحت هذا السؤال على نفسي، وتلقيت هذه الإجابة وأدعو غيري أيضا ليسأل نفسه ليتلقى نفس الإجابة، لكن الذي طرح السؤال من الأصل هو أنني حين هممت بكتابة هذا المقال عازما على انتقاد موقف يبدو في رأيي خاطيء لأحد القيادات السياسية في دولة إسلامية، توقفت فجأة لأطرح هذا السؤال على نفسي وعلى غيري من الكتاب.
لماذا؟.. لأنني لاحظت أننا كثيرا ما نكتب لنلوم غيرنا ونادرا ما يلوم أحد منا نفسه، ولانتقاد هذا الموقف أو هذا المسؤول أو ذاك ونادرا ما نباشر مع أنفسنا ولأنفسنا نقدا ذاتيا، ولكن لا يحدث إلا نادرا أن ينقد الكاتب نفسه أو يتوقف قليلا ليراجع مواقفه، أو يصوب أخطاءه، حرصا على ألا يظلم برأيه الموتور نفسه أو أن يظلم بخبره المنشور غيره.. لذا غيرت الموضوع مفكرا مع نفسي ومع غيري في هذه الوقفة بصوت عال من أجل نفسي ومن أجل غيري ووجدتني دون أن أشعر أكتب ما أفكر فيه لنفكر فيه معا.
والفضل في هذه الوقفة كان للشهر الجميل الذي نعيش أجوائه هذه الأيام التي لم يبق منها إلا القليل، محاولين أن نحياها بصفاء نفس وصفاء قلب وصدق عبادة، فشهر رمضان نفسه ما هو إلا وقفة بين العديد من الشهور ليفرغ الإنسان فيها بما في داخله من نوازع شر، وليملأ جوانحه بمزيد من دوافع الخير.
وكلما أوشك شهر رمضان على الرحيل على موعد بلقاء جديد بعد أحد عشر شهرا، نزداد حرصا على استثمار ما تبقى من أيامه العشرة الأخيرة، وهى أيام العتق من النار سعيا إلى مرضاة الله، خاصة وأن هذه الليالي العشر تضم ليلة واحدة هي عند الله خير من ألف شهر لنجمع ما نستطيع جمعه من رصيد حسنات يخصم من رصيد يتراكم لدينا طوال العام من السيئات أملا في أنه نتخذ طريقا إلى الجنة.
والطريق إلى الله متعدد المسارات،متنوع التحركات، فأجمل ما في الدين أنه ليس عبادات فقط،ولكنه معاملات وعلاقات وتأملات أيضا بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والأكوان وبين الإنسان والديان.
وحتى مفهوم العبادة ليس قاصرا على الصلاة والصيام والقيام والزكاة و الحج فقط، فكل قول نافع للناس أو يدفع إلى الخير هو عبادة ومصدر من مصادر الثراء بالحسنات في الآخرة، وكل عمل نافع يخفف المعاناة عن الناس أو ييسر لهم طريق الحصول على حقوقهم، هو عبادة وسبب للغنى في الآخرة حتى لو كان نصيبك منه في الدنيا قليل.
من الدين ألا نظلم أنفسنا بظلم أحد، وألا نسمح لأحد بظلمنا أو ظلم غيرنا.. وإذا حدث ذلك فلا مظلوم ولا محروم لأن «أموال الأغنياء تسع الفقراء».
والعبادة في النهاية تعنى صناعة الخير بالقول والفعل للنفس وللغير، ومنع الشر بالقول والفعل عن النفس وعن الخير، وأن نعامل الناس بما نحب أن يعاملونا به.
ببساطة.. بأن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا.