ذكرت أنباء إسرائيلية قبل أيام نبأ صغيرا لم ينتبه إليه احد حيث يقول النبأ انه سيجري تقديم مشروع قانون إلى الكنيست ينص على منح الجنسية الإسرائيلية لآباء وأمهات الجنود الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي ومنحهم لم شمل.

والنبأ كما هو واضح لا يتحدث عن أباء وأمهات من اليهود بل عن أجانب يقيمون في الخارج وأولادهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي وهذا يكشف النقاب عن وجود مرتزقة في الجيش الإسرائيلي، جاءوا إلى إسرائيل بهدف تحقيق مكاسب مادية ولا يسمح لهم ذلك إلا بالخدمة في الجيش الإسرائيلي.

صحيح أن هناك أكثر من ثمانمائة ألف غير يهودي هاجروا إلى إسرائيل في التسعينيات من القرن الماضي من دول الاتحاد السوفييتي السابق، لكن مشروع الكنيست لا يعنيهم لأنه يتحدث عن جنود يخدمون في الجيش الإسرائيلي وعائلاتهم في الخارج.

وكانت إسرائيل شكلت وحدة قناصة سمتها الوحدة الشيشانية وهي من الجنود الذين خدموا في القوات الروسية في الشيشان، حيث تنشط منظمات يهودية في روسيا لتجنيد الشباب وإغرائهم بالهجرة إلى إسرائيل.

حيث لا يجدون بدا عن الخدمة العسكرية، إذ إن الجيش الإسرائيلي عمليا يعاني نقصا في العناصر البشرية حيث يحجم ما نسبته 52 في المائة عن الخدمة العسكرية لأسباب دينية، فوصفه ايهود باراك وزير الجيش بأنه جيش نصف الشعب وهذا كله يفتح الطريق أمام تجنيد مرتزقة من الخارج لسد النقص في التجنيد للجيش الإسرائيلي.

كما ان الجيش الإسرائيلي في هذا السياق سمح للمجندات بالتجنيد في كل أفرع الجيش بينما كان عملهن بعيدا عن الخدمة الفعلية بل أعمال السكرتارية فقط.

إسرائيل قبلت هجرة 800 ألف يهودي من دول الاتحاد السوفييتي السابق وعملت على استيعابهم وأعطت الأولوية في التجنس لمن يخدم أبناؤه في الجيش الإسرائيلي، ووضعت خطة تدريجية لتهويد عشرة بالمائة من الجنود سنويا ويحاول بعض الحاخامات الإصلاحيين تسهيل عملية التحول إلى اليهودية حيث توجد تعقيدات طويلة وفقا للحاخامات المتدينين.

وكذلك سعت إسرائيل إلى منح الجنسية لأبناء العمال الأجانب باعتبارهم مخزونا احتياطيا للتجنيد مع العلم أن هناك أكثر من 200 ألف عامل أجنبي في إسرائيل. في المقابل هناك المشهد الأميركي الذي تشكل مع غزو العراق.

حيث اعتمد الجيش الأميركي على جنود غير أميركيين أي من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة فأول جندي قتل على ارض العراق كان من غواتيمالا ودفن في بلاده وكان انضم إلى الجيش الأميركي تحت وعد بمنحه الإقامة ثم الجنسية وصارت الإقامة والجنسية إغراء لعشرات الألوف من الشبان المهاجرين في الولايات المتحدة دفعتهم للالتحاق بالجيش الأميركي لكن القيود الداخلية الأميركية خاصة في الكونغرس حول عدد الجنود الأميركيين دفعت البنتاغون إلى استئجار خدمات شركات أمنية من بينها شركة «بلاك ووتر» التي تحرس حركات الدبلوماسيين الأميركيين في العراق.

وقد ارتكب عناصرها مجزرة في بغداد دون مبرر، لكن المجازر الأخرى التي ارتكبها عناصر الحماية للشركات الأمنية لا تعد ولا تثار لأنهم يعملون خارج نطاق القانون، ولا يتم فتح ملفات ضدهم لأن من يرتكب جرائم حرب منهم يتم تهريبه فورا إلى الخارج.

واغلب عناصر هذا الجيش غير الرسمي المدجج بالسلاح وبقرار إطلاق النار دون ضوابط من المرتزقة الأميركيين والأوروبيين ومن النظام العنصري السابق في جنوب افريقيا ومن بلاد أخرى لأن مجال التجنيد مفتوح لكل من هب ودب لكي يلتحق بهذا الجيش الذي بات يوازي الجيش الأميركي في العراق عددا.

ولعل هذين المشهدين الإسرائيلي والأميركي يطرحان صورة الحروب المستقبلية أي الاعتماد على مرتزقة ومنحهم الجنسية والإغراءات المادية، ويحدث حاليا مع طلبة عرب في الولايات المتحدة أن يلاحقهم ضباط تجنيد يعرضون عليهم العمل كمترجمين، أو كجنود مقابل مبالغ طائلة والجنسية ولعل الطلبة يجدون بطاقات شخصية لهؤلاء الضباط في نسخ القرآن داخل المساجد والمصليات في الجامعات تحثهم على الاتصال أو اغتنام الفرصة الذهبية، الذهاب إلى نعيم العراق وليس جحيمه.

وفي السابق سيرت الدول أساطيل وأقامت قواعد عسكرية على طول الطريق إلى الهند وجنوب شرق آسيا لحماية السفن التجارية في القرنين الثامن والتاسع عشر وكان ذلك هو تسخير الجيوش لحماية سفن الشركات التجارية لكن الآن يحدث العكس حيث تسخر الشركات لحماية الجيوش وتسخر الحكومات لخدمة الجيوش. ويقدر حجم التعاقدات للشركات الأمنية في العراق بحوالي ثلاثين مليارا سنويا.

وهذا الحجم من الدخل وراء ظهور هذه الشركات الأمنية أو الجيوش الخاصة التي بات مصيرها يتوقف على الحروب وهي بالتالي ستلعب دورا أقوى من دور الشركات الصانعة للأسلحة ابان حرب فيتنام لأنها باتت ذراعا مسلحا مشاركا في الحروب ولها مصالح متشابكة مع أصحاب القرار.

وهذا كله يعطي المرتزقة دورا مهما في حسم مصير العالم، مرتزقة يتم تجنيسهم أميركيا وإسرائيليا وربما في دول أخرى كاحتياطي عسكري متوحش، وهو ما يمكن وصفه بعولمة الاستعمار.