بات من المعروف أن تقرير بترايوس لن يقدم شيئا جديدا أو يحل طلسما من طلاسم الملف العراقي الشائك الذي صار يحاك بنمط خرج عن نطاق المألوف من قضايانا العربية. بل انه صار يحاك بألوان وأنماط خطيرة.

بترايوس يكرر سابقيه من التقارير التي أعدتها لجان وشخصيات أميركية وربما كان أشهرها تقرير بيكر ـ هاملتون فيعمد الى شرح وضع صار القاصي والداني يدركه في العراق. والواقع أن جهد البيت الأبيض صار ليس باتجاه العودة إلى نقطة البداية أو تغيير الحال الحرج للقوات الأميركية

بل ان جل ما يتمناه البيت الأبيض هو الحفاظ على الوضع الراهن في العراق أو الحيلولة دون الانزلاق إلى نقطة أللا عودة التي ستجعل من الولايات المتحدة اسوأ الخاسرين في التاريخ، ولكن واقع الحال جاء بما لا تشتهي السفن، فقديم بترايوس لم يواكب مستجدات الساحة العراقية التي باتت تقول بملء الفم ان الكلمة لم تعد للولايات المتحدة أو حلفائها.

ففي مسرح عمليات شمال العراق بات من المعروف أن إيران صارت تقصف مدن الشمال وخاصة السليمانية ودهوك وهذا منحدر جديد في الساحة العرقية وله تأثيراته السلبية التي تهدد بكارثة إنسانية في آخر ملاذ آمن للعراقيين.

ومن جهة أخرى فان تركيا تهدد بالاجتياح في أي وقت تشاء. القوتان الكرديتان بزعامة مسعود البارزاني حاكم إقليم كردستان وجلال الطلباني لم تعد قادرة على حسم الوضع في الشمال خاصة مع عجز القوات الأميركية عن تقديم المساعدة الممكنة كما في السابق

حيث إن الشمال منطقة تماس مع إيران التي تتحين الفرص وتركيا العضو في حلف شمال الأطلسي وبالتالي فان إقليم الشمال ترك للزعماء الأكراد تملق من يشاءون للإبقاء على وجودهم فيه. أما كركوك والموصل فإنهما من أكثر المناطق الساخنة

والتي تضعهما القوات الأميركية في حدود الخطر الأقصى حيث تأوي اكبر تجمع لخلايا القاعدة التي تستطيع أن تتحرك وتختفي بكل سهولة في أراضي الشمال المفتوحة الحدود والتي تحتوي الجبال التي تعتبر الملاذ الآمن لتلك الخلايا. حتى ان القاعدة الأميركية بالقرب من مدينة الموصل ليست حصنا حصينا للقوات الأميركية حيث إن هذه القاعدة تتعرض دوريا لقصف بالهاون وعمليات انتحارية تجعل منها من أكثر قواعد القوات الأميركية خطورة.

هذا هو الوضع في منطقة عمليات شمال العراق او ما يسمى بمنطقة الشمال والسهل الرسوبي. وهو ليس مختلفا عما يجري في المنطقة الوسطى. والتي تسمى بالمثلث السني وأضلاعه غرب بغداد صلاح الدين وديالى والانبار بقسميها الفلوجة والرمادي من جهة وحديثة وراوة وعانة من جهة أخرى.

هذه المناطق شهدت أكثر معارك القوات الأميركية ضراوة ضد خلايا القاعدة وتنظيمات المجاهدين العراقيين التي ابتكرت شتى الوسائل لجعل هذه المنطقة مغلقة ومحرمة على أي من قوات الاحتلال الأميركي أو قوات الحلفاء.

أما جنوب العراق فان مدن الجنوب صارت محكومة الولاء للقوى الشيعية المختلفة التي تتلقى دعما ماديا ولوجستيا من إحدى القوى الإقليمية التي باتت تسلح وتدعم جميع الأطراف متنازعة أو المتآلفة ولقد تم سحب معظم قوات التحاف التي دخلت العراق منذ 2003

ولم يتبق سوى وجود حرج للقوات البريطانية في البصرة وجديد هذه الساحة هو أن القوات البريطانية انسحبت من أهم موقع استراتيجي لها في منطقة القصور الرئاسية وحدد وجودها في منطقة مطار البصرة تمهيدا لانسحابها المعلن في الخريف.

بريطانيا اعترفت على لسان كبار مسؤوليها العسكريين أن الوضع قد خرج عن نطاق السيطرة البريطانية وان الخروج بات الحل الوحيد أمام قواتها التي باتت تتلقى ضربات محترفة ومن نقاط مجهولة لا تقوى هي على الرد عليها بالمثل وعليه فان الولايات المتحدة باتت وشيكة أن تخسر أهم حلفائها في غزو العراق ذلك الحليف الذي لم يفارقها منذ حرب الخليج الثانية 1991 والذي لطالما مهد لها الأرض سوية لضرب العراق وحصاره وأخيراً غزوه.

أما بغداد وهي النقطة الوحيدة لانتشار جزئي للقوات الأميركية فان هذه العاصمة التي تحولت إلى مدينة أشباح وعوازل وقواطع أمنية تنفيذا لما عرف بخطة امن بغداد هذه المدينة هي الآخر لم يعد للولايات المتحدة الكلمة فيها حيث تتمركز معظم القوات في منطقة مطار بغداد والقسم الآخر في المنطقة الخضراء والمناطق المجاورة لها وباتت القوات الأميركية تعتمد أسلوب القصف الجوي كما حدث في مدينة الصدر أو في مدينة الشعلة.

هذه هي بعض ملامح الأرض في العراق والوضع صار منحدرا زلقا لا يحتوي على مصدات توقف مجرى الانحدار لا بالنسبة للقوات الأميركية ولا حتى بالنسبة للسياسيين العراقيين أو ما يسمى بالحكومة العراقية أحفاد الطوسي والعلقمي الذين سلموا مفاتيح العراق ليملكوا ويستملكوا في ثرواته.

وعليه فان تقرير بترايوس لن يكون مختلفا عمن سبقه ممن فاضوا واستفاضوا في شرح توصيات مكررة لن تجلب جديداً أو تزيل قديما ولا أتصور أن بترايوس سيشرح جديد العراق الذي صارت عناوينه كوليرا تقتل العراقيين وموتا يطيح بهم من قبل ميليشيات تنظم في الظلام الحالك،

وهجرة نحو بلدان تسد المنافذ أمام البؤس العراقي والعراقيين حتى صارت تتركهم في الصحراء ينفذون حكم القدر بأنهم يجب أن يموتوا بكل الأشكال، قتل متبادل لم يعد سنيا أو شيعيا بل صار متبادلا من كل الأطراف فكل الأطراف تثأر لنفسها ولا ثأر للعراق الذي يتهاوى يوما بعد يوم.

هذه المستجدات لن يحويها تقرير بترايوس أو غيره الذي لن يحاول سوى أن يجد حلاً لفك لعنة العراق التي قدر أن يصاب بها كل محتل وكل الغزاة الذين يطأوون ارض العراق هذه الأرض ليست ملكاً الا لمن نبت فيها وسال دما لأجل عزتها وبقائها هي ملك له ولن تكون يوما لأي كائن من كان ومن يريد أن يكرر تجربة الولايات المتحدة فليعرف أن هذه الأرض لا تزال عطشى لدماء الغزاة ورفاقهم!.

كاتبة عراقية