إلى أي مدى يمكن لعناصر غير مدربة ومحملين بعتاد عسكري متواضع وبعدد غير مؤكد من الصواريخ المضادة للدروع أن يحاكوا نموذج «حزب الله» الجيد التدريب والتسليح والتنظيم في مواجهة عقيدة قتالية لا تتورع عن الانتقام من المدنيين العزل عند أقل ارتباكة أو خطأ في الميدان؟ سؤال مشروع بالنظر إلى شيطانية الخيار الإسرائيلي لتنفيذ خطة الضربات السريعة لقطاع غزة وتطويقه بالكامل حال فشل الرئيس عباس في إقامة حكومة «شروط الرباعية» وإعادة جلعاد شليت، والسؤال المحوري هنا ما إذا كانت إسرائيل ترمي إلى إحالة الوضع في غزة كما هي الحال في جنوب لبنان؟
واقعيا، فإنه في معظم المرات السابقة للمواجهة مع العدو لم تكن الحرب خيار الفلسطينيين، لأنهم لم يخوضوا مواجهة مع إسرائيل أبدا وهم متحدون، ولأن هذا هو قدرنا فعلى ما يبدو أن السيناريو الأسوأ سيضع كتائب الشهيد عز الدين القسام ولجان المقاومة الشعبية والقوة التنفيذية وسرايا القدس في المواجهة والاختبار بدون استثناء عناصر أقل فاعلية من كتائب الشهيد أبو علي مصطفى والمقاومة الوطنية وتدخل فردي من كتائب شهداء الأقصى في أسوأ الأحوال، ووسط هذا الكم من الكتائب سيكون التنسيق معدوما بل ومعجزا في مواجهة جيش الغازي.
وفي الميدان، أقرب السيناريوهات هي ما إن تبدأ المدافع والطائرات بدك القطاع ممهدة لتوغل خاطف وسريع لحشود المركافة والقوات الخاصة وبلدوزرات التدمير للأنفاق المزعومة حتى يستعاد سيناريو مخيم جنين وما أن تحتمي المقاومة الفلسطينية وراء جدران «براكيات» مخيم جباليا وخانيونس ورفح حيث الكثافة السكانية والزحام الخانق وعندها لن تنفع التكنولوجيا الأميركية من درء المخاطر وسقوط المدنيين، سيبدأ الأوروبيون والأمم المتحدة بالصراخ والعويل مجددا لوقف هذه الحرب.
ووسيلة الضغط الجديدة من قبل حكومة أولمرت التي أخذت جاذبيتها بدعم من عضو المافيا الروسية أفيجدور ليبرمان الشريك الجديد لحكومة الحلول الأحادية، تعد وفقا للسيناريو السابق سقطة جديدة لتل أبيب، وهي لن تضيف سوى المزيد من الشهداء لأن تدمير الأنفاق واغتيال قيادات المقاومة عملية مستمرة من دون الحاجة إلى تكتيك عسكري جديد، كما أن تاريخ إسرائيل مع القطاع كشف عن أن السيطرة عليه بحاجة إلى قيادة جيش جنوبي بالكامل وقد استلزم أرييل شارون ثلاثة أعوام من 1969 وحتى 1971 ليضمن السيطرة العسكرية على القطاع وحينها كان أقل سكانا ومنزوع السلاح.
ولكن بالطبع فان الخطة الجديدة لم تحمل في ثناياها أي اعادة احتلال للقطاع، لكنها تفترض النجاح الكامل في تنفيذ العزل من خلال إنشاء الممر المائي الفاصل بين القطاع وسيناء.
ولذا من الواضح أن إسرائيل لا ترغب في البحث عن شليت او استئصال المقاومة ومنع السلاح الذي يجهز محليا رغم إصرار الاحتلال أن السلاح يهرب إلى القطاع من الخارج، وفي تفكير ابعد مدى ممكن أن تقود المجتمع الدولي إلى خيار قوات دولية لتضع المقاومة الفلسطينية في مواجهة المجتمع الدولي ككل كما فعلت مع حزب الله، وفي هذه الحالة لن يعوزها أساليب جديدة للتحايل على قواعد الاشتباك وتستمر في اغتيال الفلسطينيين، وعندها سيكتب للمقاومة في غزة النهاية الحتمية، لتكون الضفة الغربية والقدس لقمة سائغة لخطة التجميع.
وفي أحسن الأحوال وهو في حكم الأمنيات لا الواقع أن يفاجئ الفلسطينيون العالم بالصمود، قليل من الصبر ومزيد من التنسيق قادرين على جعل المهمة الإسرائيلية جحيما.
وصحيح أن لا الإمكانيات ولا الخبرات الفلسطينية العسكرية قادرة على مواجهة التفوق العسكري للاحتلال وشبكة الاستخبارات وحجم المعلومات المتوفرة عن أماكن تواجد المقاومين وتحركاتهم أقلها في الوقت الحالي، إلا أن إعاقة تقدم العدو ومواصلة إطلاق الصواريخ وجر الجنود الإسرائيليين إلى ساحات منتقاة للقتال وإيقاع عدد ولو قليل من بين صفوفهم من القتلى ستجعل كل من بيريس ودان حلوتس المتحججين بالمصادقة على خطة الاجتياح وذلك بناء على المزاج الاسرائيلي العام المنقسم بسبب تبعات الحرب مع «حزب الله» في وضع حرج مجددا قد يسرع من إنهاء هذا الحرب المتوقعة.
وهنا يثور التساؤل الفلسطيني مجددا، إلى أي مدى تكون المواجهة الطبيعية مع العدو أفضل من ويلات الاقتتال الداخلي والفتنة وانتهاء القضية الفلسطينية.
sla.rami@gmail.com