أعتقد أنه من الحق وكل الحق أن أتساءل لماذا يصر الرئيس محمود عباس على أن تعترف حكومته المقبلة بالاتفاقيات الموقعة، فيما يمضي رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» وفريقه الدمشق - غزي للتحالف المنقوص مع إيران؟، وكان الأجدر به أن يتوحد قبلها مع حركة الجهاد الاسلامي التي تبنت الثورة الإسلامية من قبل، ولا ننسى أنه في الطريق إلى طهران تندفع الوساطات القطرية والمصرية والأسبانية إلى غزة ودمشق بلا فائدة، فالمؤامرة سيدة الأحكام هنا.

وعلى أي حال، تذكرني هذه الاتفاقيات الموقعة بتطور نوعية ومستوى غلاء ثمن قمصان وربطات عنق وفود التفاوض الفلسطينية منذ ظهور المرحوم عبد القادر الحسيني وكبير المفاوضين صائب عريقات، ولم يكن بعد تحت هذا المسمى، أمام العالم من خلال شاشة «السي إن إن» الأميركية للتأكيد على استعداد منظمة التحرير على قبول حل دولتين وذلك في العام 1988 الذي اعلنت فيه دولة المنفى،

وهو نفس العام الذي اغتيل فيه مسؤول القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة خليل الوزير (أبو جهاد)، وحينها أيضا كانت «حماس» وليدا صغيرا أمام كوكبة من عشرات الشهداء الذين يتساقطون أسبوعيا في الضفة والقطاع، بينما تطبق آلة الاحتلال حصارها على المخيمات ويكسر القتيل رابين أطراف الفتية الحالمين، ولم يستشر حينها أحد من أصحاب القمصان الجميلة أطفال الانتفاضة في أمر أي دولة، فلم يكن مطلوب منهم سوى أن يستشهدوا.

ومع هزيمة صدام حسين حليف ياسر عرفات على حد زعم الأخير في حديث للقناة المغربية الثانية في خريف العام 1990 ضد حلف الليكود - شاس في تل أبيب، أصبح لهذه القمصان دورا محوريا جديدا وحتى تكون صالحة لطرق أبواب واشنطن كان لا بد لها من ميزانية خاصة وفي البدء كانت متاجر القاهرة الشهيرة التي لا يجرؤ 99 في المئة من الشعب المصري ان يفكر في الولوج إليها لشراء زر في قميص، كانت تأتي قمصان بعض القادة الفلسطينيين.

وحديث القمصان يطول ولن أتحدث عن منجزاتها في أوسلو وواي ريفر وطابا وشرم الشيخ فيكفيني اتفاقية باريس الاقتصادية التي أفضت إلى اتفاقية «الخيار مقابل الثوم» أي أن تصدر اسرائيل التي ستتحكم بالجمارك الخيار إلى الضفة الغربية مقابل أن تصدر الأخيرة الثوم إلى إسرائيل، رغم أن الأراضي الفلسطينية بحسب تعريف أوسلو لا يتواجد فيها ولا حتى مزرعة ثوم واحدة.

ولكن، ما دخل هذا كله في إفلاس أميركا، وهل أفلست أميركا حقا ؟

والأمر في غاية البساطة أن المعادلة السياسية الفلسطينية برمتها رهينة لواشنطن وهي (تكره) تنظيم حماس وتمضي للإطاحة بها بـ 42 مليون دولار رغم أن هذا التنظيم الكبير على الساحة الفلسطينية لم يكلف ولا حتى 5 في المئة من هذا المبلغ، والمقتل الفلسطيني الجديد هنا بتكفل أعوان محليين في مساعدة للادارة الأميركية بهذا الأمر، وبنظرة أكثر تعمقا فشلت ادارة بوش في ثني حماس للتخلي عن شعاراتها إبان فترة اللقاءات المباشرة في العام الماضي في غزة وحان وقت الحساب الأميركي بأياد فلسطينية، ولكن لماذا؟

المعروف أنه في خارطة أعداء أميركا في العالم العربي حاليا الأولوية تكون للتنظيمات، وبشأن حزب الله فهو أقوى من لبنان ولا يوجد في بيروت من يتجرأ على التحرك لا قبل العدوان الاسرائيلي ولا بعده، والقاعدة وجيش المهدي ندان حقيقيان للجيش الأميركي في العراق وبفضلهما فشل النموذج الأميركي فلا يوجد في العراق اليوم سوى الجثث المجهولة والأرقام كما تعلمون تجاوزت الـ 650 ألف قتيل عراقي.

وأما عن الاعداء من خارج المحيط العربي، إيران، فنزويلا، كوبا، بوليفيا، كوريا الشمالية، وكان على ما يبدو أن لا خيار لواشنطن سوى أن تقبل بفرض عقوبات على بيونغ يانغ، فكانت مهزلة العقوبات المالية والعسكرية في القرار 1718 وكأن نظام ودولة أولاد كيم منذ 1953 يعيشون في بحبوحة ورغد وانفتاح وعلاقات دولية طبيعية لتأتي عقوبات نيويورك وتقلب الطاولة على رأس الكوريين الشماليين الذين صفعوا أميركا من عمق 200 متر تحت سطح الأرض.

يقينا ان أميركا تفلس كل يوم أكثر من ما مضى خاصة في ظل غياب النقد السياسي للمجتمع المدني هناك، فتقف أميركا ديماغوجية بالكامل ومدججة بالسلاح في عصر التمرد والاحلاف في سباق دقيق مع الزمن، ورغم أن العرب بطبعهم خاسرون خاصة مع قرب رحيل شيراك وبوتين، واللذين لم نستفد من حضورهما ومشاغبتهما لأميركا خاصة بعد سقوط الأخيرة في المستنقع العراقي،

إلا أن هناك العديد من الدول الإقليمية متوسطة القوة والحجم تتمرد على القطب الأوحد ولم تخش كغيرها من صورة صدام الأسير. ولهذا لماذا علينا أن نخشى أميركا وهي مفلسة؟، عن أي اتفاقيات موقعة نتحدث، والتي أصلا إسرائيل ترفضها سواء كانت «إسرائيل أولمرت» وبالطبع «اسرائيل نتنياهو - ليبرمان» أيضا.

sla.rami@gmail.com