في حضور معظم القادة الأفارقة احتفلت إفريقيا مطلع الأسبوع الماضي بالذكرى السابعة لإعلان ميلاد «الاتحاد الإفريقي» الذي وقع تأسيسه جميع قادة إفريقيا، بحضور عشر رؤساء دول عربية في «قمة سرت» التاريخية في اليوم التاسع من الشهر التاسع في العام التاسع والتسعين وتسعمئة وألف.
والاتحاد الإفريقي الناهض الذي يضم الدول العربية العشر الواقعة في القارة المتوجهة نحو بناء «الولايات المتحدة الإفريقية»، والتي تزيد على نصف الشعب العربي في آسيا وإفريقيا ،يدعونا للتساؤل عن سر نجاح الأفارقة فيما فشل فيه العرب .
وعن ضرورة تفعيل التكامل العربي الإفريقي تطبيقا لقرارات قمة الجزائر العربية، وقمة الخرطوم العربية الأخيرة ودعوتهما لمواصلة وتعزيز العمل على تفعيل هذا التعاون، والعمل على عقد القمة الثانية للتضامن العربي الإفريقي، بعد القمة الأولى والأخيرة التي عقدت عام 77.
وليس يغيب عن الذاكرة أن الاهتمام العربي بإفريقيا أدركته عدة دول عربية قليلة منذ العقود الخمسة الماضية بدرجات مختلفة سواء لتحرير القارة من الاستعمار أو لتأكيد التكامل العربي على طريق التنمية ،كانت في طليعتها مصر وليبيا والجزائر والسودان.
وهي كلها دول عربية إفريقية، وعدا بعض المساجد والمشافي والمدارس الإسلامية التي أقامتها المساعدات الخيرية الخليجية لقلنا إن آسيا العربية بعيدة عن إفريقيا التي يمثل انحسار الدور العربي فيها أحد أكبر سلبيات العرب في العقود الثلاثة الماضية، ويكفي أن السودان الآن في مواجهة محاولات التدخل العسكري الدولي يكاد يواجه وحيداً بتردد عربي وضعف أداء إفريقي .
وكان من نتيجة هذا الدور العربي التحرري الذي كان فاعلا في إفريقيا أن قطعت معظم الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان الصهيوني ولم تعد العلاقات معها إلا بعد تحرير أرض مصر الإفريقية المحتلة، وإقامة علاقات دبلوماسية بين مصر وإسرائيل عام79 .
وهنا يلفت النظر أن أول قمة إفريقية أسست لفكرة الوحدة الإفريقية قد عقدت في عاصمة عربية هي القاهرة برئاسة الزعيم العربي جمال عبد الناصر عام 64، وأن آخر قمة هي التي كانت في مدينة عربية ليبية هي «سيرت» في الأسبوع الماضي بدعوة من العقيد معمر القذافي للاحتفال بميلاد الاتحاد الإفريقي، لم يبرز فيها من القادة العرب سوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بينما القمة الإفريقية التي سبقتها استضافتها عاصمة عربية سودانية هي الخرطوم برئاسة الرئيس عمر البشير في مارس الماضي .
وبينما يقع الوطن العربي في قلب العالم بين قارات ثلاث يرتبط بها حضاريا واقتصاديا وأمنيا، فإن هذا الوطن يتمدد جغرافيا على قارتين هامتين هما آسيا وإفريقيا، مشكلاً الواجهة الشمالية لإفريقيا والإطلالة الغربية لآسيا على البحر المتوسط وأوروبا، وفي حين تمتد جذوره تاريخياً معهما إلى أعماق بعيدة ،يرتبط بهما روحياً بروابط دينية إسلامية ومسيحية بل ويهودية أيضا .
تاريخيا.. كان الوطن العربي هو حاضنة مركز إشعاع للحضارات المتعددة، المصرية الفرعونية في إفريقيا، والعراقية الآشورية والبابلية والسومرية والكلدانية، والفينيقية الشامية في آسيا، وكان طبيعيا تفاعل هذه الحضارات مع حضارات الشعوب الآسيوية والإفريقية منذ آلاف السنين، وروحيا ..
كان الوطن العربي مهد الديانات السماوية الثلاث ، وكان أنبياؤها هم من أبنائه ،وكان أبناؤه هم حملة الهداية إلى إفريقيا وآسيا وللعالمين، فكانت الجزيرة العربية هي نبع الرسالة الإسلامية ومكة المكرمة مكان ميلاد النبي العربي محمد عليه الصلاة و السلام، وكانت فلسطين هي مركز الرسالة المسيحية و«بيت لحم » هي مهد المسيح عليه السلام، وكانت سيناء المصرية هي منطلق الرسالة اليهودية ،وقصر فرعون هو الذي نشأ فيه النبي موسى عليه السلام.
واللافت للنظر أن الرسالة الإسلامية قد انتقلت من «مكة» في آسيا عبر المسلمين العرب المهاجرين إلى الحبشة في إفريقيا لدى ملك الأحباش المسيحيين حماية لها من بطش العرب الكافرين، قبل أن تتمركز في «المدينة المنورة» بعد أن أصبحت في حماية الأنصار من العرب المسلمين.
وحينما تمثل آسيا بتكتلاتها العملاقة للوطن العربي اليوم في العصر الحديث الشرق المتقدم اقتصاديا والصاعد غدا إلى درجة عالية بين القوى العالمية الكبرى، بما يمكن لعلاقاته المتنامية غير المشروطة مع دولها،ولنوع من الشراكة الإقليمية مع دول الجوار فيها أن توفر له البديل الموازن لعلاقاته المشروطة مع الغرب المتقدم ..
فإن إفريقيا الناهضة باتحادها الواعد تمثل للوطن العربي اليوم وغدا الامتداد والعمق الاستراتيجي الحيوي اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ،بما تملكه من طاقات وثروات طبيعية قابلة للاستثمار والتنمية المشتركة ،مثلما كانت بالأمس تمثل الظهير المساند لقضاياه، بل والشريك الرئيسي له في نضاله ضد العدوان الصهيوني والهيمنة الاستعمارية.
وفي الوقت الذي أصبح فيه «الاتجاه شرقا» نحوعواصم التقدم الاقتصادي الهائل في آسيا حيث الصين والهند وماليزيا واندونيسيا وتركيا أصبح نهجا عربيا وعالميا بما يحققه من مصالح للطرفين، فإن «الاتجاه جنوبا» الذي كان ولا يزال نهجا تنافسياً غربياً وعالميا نحو مصادر الثروة الطبيعة وفرص الاستثمار الواعدة في إفريقيا، يجب أن يتخذ مساراً عربيا استراتيجيا لتحقيق التكامل العربي الإفريقي حيث لا يزال التوجه العربي نحو القارة السمراء خجولا ومترددا.
وتأكيدا للارتباط النضالي المشترك للشعب العربي بشعوب آسيا وإفريقيا في مرحلة التحرر الوطني، كان الحضور العربي بارزا في أول مؤتمر لتضامن الشعوب الأفروآسيوية في مدينة «باندونج » الإندونيسية عام 1955، وهناك أسفر لقاء الزعماء الثلاثة المصري «جمال عبد الناصر» والهندي «جواهر لال نهرو» والإندونيسي «أحمد سوكارنو» عن انبثاق فكرة تأسيس حركة عدم الانحياز في الصراع بين الشرق والغرب.
إلا أن المعطيات الواقعية، والحقائق الموضوعية ،مع ذلك كله، أصبحت اليوم ترجح أن إفريقيا هي الشريك الاستراتيجي للعرب، سواء للذين يمثلون الجناح الإفريقي من الوطن العربي والذين هم بالواقع الجغرافي عرب أفارقة، أو حتى للذين يعيشون في الجناح الآسيوي من هذا الوطن.
إن القول إن موقع العرب الواقعي والمستقبلي يرتبط بإفريقيا استراتيجيا ومستقبليا تدعمه عدة حقائق..
ـ إن الامتزاج البشري والثقافي والديني، فضلا عن التكامل الحيوي الطبيعي بين الشعوب العربية في شمال القارة الإفريقية في جنوب الصحراء قد أثبتته المراحل التاريخية المختلفة .
ـ إن ثلثي الوطن العربي يقع في إفريقيا وإن الشعب العربي في إفريقيا يمثل ثلث سكان إفريقيا، وإن مقر الجامعة العربية يقع في مصر التي تمثل البوابة الشمالية الشرقية لإفريقيا.
ـ إن غالبية الشعوب الإفريقية إما من المسلمين أو من القبائل ذات الأصول العربية أوالمتصاهرة مع القبائل الإفريقية، وإن اللغات الإفريقية مثل الأمازيجية والسواحلية هي لهجات تطورت من اللغة العربية التي انتشرت مع الإسلام في القارة.
ـ إن النفط الذي يمثل السلعة الإستراتيجية الأولى للقرن العشرين، وتقابله المياه كسلعة إستراتيجية للقرن الحادي والعشرين، والغذاء الذي يبدو وأنه سيكون السلعة الإستراتيجية للقرن القادم تتوفر كلها في إفريقيا .
ـ إن فائض المال العربي والعائد بسبب المخاطر في البنوك الأميركية والأوروبية، والذي لا يجد قنوات كافية وآمنة للاستثمار، يمكنه أن يجد المشروعات الاستثمارية المنتجة في إفريقيا، حيث السودان وحده يمكنه أن يكون مع توفر التمويل سلة غذاء العرب، والقارة بالاستثمار العربي يمكن أن تصبح سلة غذاء العالم .
إن الشعوب بل والحكومات الإفريقية في معظمها تتعاطف مع القضايا العربية وتشعر بالعتب على العرب بانعزالهم عن القضايا الإفريقية.
إن التنافس الفرانكوفوني والأنجلوأميركي على النفوذ في إفريقيا لا يجب أن يترك فراغا عربيا وإسلاميا يتمدد فيه غير الأفارقة وغير العرب لإحداث النزاعات بين العرب والأفارقة على حساب العرب والأفارقة . والسودان بشماله وجنوبه نموذجا و«دارفور» مثالا .
ـ إن التكتلات الآسيوية الحالية لا تفسح مكانا للعرب بينما المجال مفتوح ومطلوب عربيا وإفريقيا، وإن عصر التكتلات الكبرى الذي يسود العالم الآن يفرض على العرب التكامل والاندماج في اتحاد عربي إفريقي .
ـ إن الأفارقة قد نجحوا فيما فشل فيه العرب وهو تكوين الاتحاد الإفريقي رغم ما كان يسود القارة من مشاكل ونزاعات، بينما توفر للعرب كل عوامل الاتحاد ولم يتحدوا .. فلماذا هذا القصور ؟
كاتب مصري