كتاب حول الإسلام

كتاب حول الإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصدرت دار النشر الباريسية لارماتان في الأيام الأخيرة كتابا قيما بجميع المقاييس بقلم أحد الزملاء الأفاضل وهو الدكتور عبد الرؤوف بولعابي الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع السياسي من جامعة السوربون العريقة ومدير المعهد العالي للعلوم الإسلامية بباريس.

والكتاب يؤرخ لأحد فروع الفكر السياسي في التراث الإسلامي وهو شرعية السلطة من المنظور الإسلامي ومقاصد الشريعة في اختيار الحاكم ومناهج ممارسته للحكم وطرق التداول السلمي على السلطة. وعنوان الكتاب القيم الصادر باللغة الفرنسية هو: الإسلام والحكم، مقاصد الشريعة وشرعية السلطة.

ونحن نرجح أن الاهتمام الكبير الذي لقيه الكتاب يعود أيضا إلى أنه يصدر في توقيته ليجيب عن أسئلة النخبة الغربية حول العلاقة بين الدين والدنيا في الإسلام والجسور الرابطة بين النقل والعقل والأهم حول مستقبل الفكر السياسي الإسلامي.

وهو يواجه عواصف الترهيب والتزوير وسيل المغالطات التي يريد أعداء حضارتنا أن يبثوها في عقول الرأي العام الغربي والمسلم وهم يحاولون تلبيس الدين الإسلامي لبوس الإرهاب والتطرف لا تحليل تلك الظواهر الطارئة واليتيمة كخروج عن أصول الدين وانحراف نحو التشدد تحت ضغوط المظالم المسلطة على الشعوب.

فالكاتب واع تمام الوعي بمدى حساسية محاور كتابه في زمن يتعرض فيه الإسلام كحضارة إلى هجمات شرسة لا تستهدف ظواهر التطرف والانغلاق كما في كل الأديان والفلسفات بل تستهدف قيمه وحقوق المؤمنين به وحريات الأمة الشرعية.

فالدكتور الفاضل عبد الرؤوف بولعابي يقرأ مراحل الحكم وتداول السلطة انطلاقا من عصر النبوة الخالدة إلى عصر الخلافة الراشدة لا فقط كمؤرخ بل كمصلح غايته تصحيح الرؤى والمفاهيم وبالتالي تقديم جملة من النظريات الحديثة القادرة على تنزيل التراث الفكري السياسي الإسلامي الأصيل منزلة التطبيق السلمي المعتدل والمعتبر بالتحولات الحضارية الكبرى في العالم.

وإذا تصفحنا محاور الكتاب سوف ندرك الأهمية القصوى للمواضيع المطروحة على قضايانا الراهنة المتشعبة، فالكتاب يبدأ بتعريف مبدأ الشرعية واشكالياتها في العلوم الإنسانية مع إثراء المحور بأمثلة حية من التاريخ الإسلامي في عصوره الذهبية أو الأقل تألقا.

ويستعرض الكاتب أبرز المدارس السياسية والفقهية التي نظرت للحكم ولعل أوفرها مادة للبحث والدرس الفكر الخلدوني المستنير من خلال المقدمة وأيضا كتاب الأحكام السلطانية والولايات الدينية لأبي الحسن البصري البغدادي الماوردي وهو المرجع الأول في تقنين النواميس السلطانية في الإسلام رغم مرور ألف عام على تأليفه.

وتعمق د. بولعابي في اختلاف الفقهاء ومناظرة العلماء مما أعطى لكتابه قيمة المرجع الشامل لكل من يروم دراسة مسائل السلطة والشرعية والتداول على الحكم في التاريخ الإسلامي.

ولم يغفل الكاتب المصادر الاستشراقية ولا الأعمال الفكرية الإصلاحية من القدماء والمحدثين حول مبدأ الاستخلاف وهو المبدأ المؤسس للفكر السياسي الإسلامي لأنه الوحيد في الحضارات العالمية الذي كرم الإنسان بجعله خليفة الله سبحانه في الأرض وحمله أمانة الإعمار والحفاظ على السنن الكونية الخالدة الواردة في كتاب الله العزيز.

واني أحسب والله أعلم بأن الزميل عبد الرؤوف بولعابي ينتمي إلى تلك المدرسة الفكرية التي فضلت الاجتهاد على التقليد والتطوير على التثوير واعتمدت القراءة المتأنية للتراث لتنزيله على الواقع المعاش اليوم.

وهي نفس المدرسة التي أنجبت كبار المصلحين وعلماء المسلمين في سلسلة مجيدة امتدت حلقاتها من الفتوح الإسلامية إلى حركات التنوير الإسلامي لدى الجاحظ وابن المقفع وابن حزم وابن خلدون وابن رشد وصولا إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وابن أبي الضياف ثم الكواكبي إلى صاحب كتاب الخلافة الجديدة عالم القانون عبد الرزاق السنهوري.

ثم الجيل الحديث من المفكرين المسلمين أمثال الزملاء الكرام طارق البشري ومحمد سليم العوا وأحمد كمال أبو المجد وقبلهم أساتذتهم العلماء الأجلاء الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي أمد الله في أنفاسه.

Email