تشرين - سوريا

مَنْ يتدخل في شؤون مَنْ؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتّهم الإدارة الأميركية سورية بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويتوسع المسؤولون الأميركيون في اتهاماتهم ليصلوا إلى حدّ أن سورية مسؤولة عن كل ما جرى ويجري في المنطقة، من العراق إلى فلسطين.

لكن هذه الإدارة لا تخوض حربها الإعلامية الضاغطة على سورية منفردة، بل إنها شكلت فريقاً متعدد الجنسيات يردد كالببغاوات كل العبارات الجاهزة المصنّعة في أروقة البيت الأبيض. ‏

هذا الفريق متعدد الجنسيات يضم حكومات غربية وغير غربية! وشخصيات سياسية ونيابية دولية وإقليمية ينفذ سياسة واحدة، ويضع كلاً من سورية وإيران في دائرة الاستهداف، ويجعلهما الشماعة التي يحاولون أن يعلقوا عليها أخطاء وعثرات وسقطات السياسات الأميركية، والحروب الاستباقية والنظريات الغرائبية التي لا وجود لها إلاّ في مخيلة المحافظين الجدد ومن باع نفسه لهم، أو في أفلام الرعب التي تنتج في هوليوود. ‏

وتختلف نبرة أعضاء الفريق الواحد في هذه اللعبة وفق تعليمات المخرج الأميركي، وتتراوح ما بين دعوات إدارة بوش إلى تغيير «السلوك» السوري، وبين دعوات أفراد بإسقاط «النظام» السوري، وصولاً إلى احتلال سورية! وأمركة وأسرلة المنطقة برمتها. ‏

والسؤال: هل فعلاً تقوم سورية بالتدخل في ملفات العراق وفلسطين ولبنان؟! وإذا كانوا يدّعون ذلك فما أدلتهم؟ ‏

نعرف تماماً أنهم لا يملكون أي دليل، ونعترف بأنهم قادرون على فبركة مليون دليل عبر الأكاذيب وأجهزة الإعلام، ومع ذلك: هل الحرص على أمن واستقرار المنطقة (وسورية جزء قوي وأساسي منها) يعتبر تدخلاً في شؤون الآخرين؟ ‏

وإذا كانت سورية ـ كما يزعمون ـ تتدخل في شؤون الدول العربية المجاورة، فهل احتلال العراق ليس تدخلاً في شأن هذه الدولة؟ وهل تصريحات مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد وولش التي قال فيها: إن حزب الله إرهابي ولا يجوز أن يكون أصلاً في الحكومة، هل هذا التصريح لا يعتبر تدخلاً في شؤون لبنان الداخلية؟ وهل تحركات السفراء وتدخلاتهم التي ضاق اللبنانيون بها ذرعاً ليست تدخلاً في شؤون لبنان؟ ‏

الولايات المتحدة ترفض وجود حزب الله في الحكومة اللبنانية، وترفض أن تتمثل حركة حماس بعد الانتخابات القادمة في الحكومة الفلسطينية، فهل هذه هي الديمقراطية الموعودة التي يريدون فرضها على العرب بالقوة والإكراه؟! ‏

لا نستغرب هذه السياسة الطائشة والمتهورة لأننا عايشناها طوال القرن الماضي وفي مطلع الألفية الجديدة، حيث تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً في عشرات الدول ومارست عمليات استخباراتية، نتج عنها اغتيالات سياسية وتغيير أنظمة وتنصيب أخرى، اشتهرت بأنها ديكتاتورية وفاشية وغير ذلك، لا نستغرب من هذه الولايات المتحدة كل هذه المواقف والسياسات والانتهاكات والتدخلات.. لكننا نستغرب أن تبنى سياسة دولة عظمى على الكذب، ونستغرب أكثر ارتهان شخصيات ودول لسياسة الكذب، والقبول بلعب دور الكومبارس في مسرحية الأميركي المتوحش الذي يريد أن يستولي على كوكب الأرض. ‏

وكل الاستغراب من الولايات المتحدة وفريقها متعدد الجنسيات، وهو يفبرك التهم ويلصقها بالآخرين، لأن كل هؤلاء لا يلحظون الحقيقة وهي فشل السياسات الأميركية و«تمرد» دول كانت محسوبة على أنها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، ووصول رؤساء وحكومات ترفض الوصاية الأميركية على أميركا اللاتينية.. وتالياً على المنطقة. ‏

فلتبحث إدارة بوش عن أخطائها قبل أن تتحول كراهية الشعوب للسياسات الأميركية إلى كراهية للولايات المتحدة! ‏

Email