خط مباشر

لبنان والتدخل الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال زيارته الرسمية لبيروت هذا الأسبوع عقد ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط لقاءً انفراديا مع كل من رئيس الوزراء السنيورة ووزير الخارجية صلوخ والبطريرك الماروني صفير والزعيم الدرزي جنبلاط والجنرال الماروني عون بالإضافة إلى سفير فرنسا لدى لبنان.

ربما كان هذا العدد من اللقاءات مثيرا للاهتمام لكن الأكثر اثارة هو اللقاء الذي لم يحدث. فقد تعمد المسؤول الأميركي ألا يطلب لقاء مع رئيس الجمهورية العماد لحود.

من الوهلة الأولى كان العنوان الرسمي الذي اختارته وزارة الخارجية الأميركية ـ «زيارة دعم» ـ كافيا لكشف طبيعة المهمة التي كلف بها ولش. وجاءت لقاءاته الانتقائية المرتبة سلفا لتضيف كشفا إلى كشف.

لقد شخص ولش إلى بيروت على عجل لإحباط ما جرى ويجرى من مساع عربية لرأب الصدع بين لبنان وسوريا بخلق مناخ موات يسمح بتحقيق حد أدنى من التصالح على المستوى الرسمي بين هاتين الدولتين الشقيقتين، ولذا اختارت واشنطن ان يلتقي المسؤول الأميركي مع خصوم دمشق من خلال زيارة «الدعم».

إن الأزمة الداخلية اللبنانية قد تبدو معقدة ومتشعبة لعين الرائي. لكن التشخيص الإجمالي للأزمة واضح. فمن المنظور الأميركي ـ الإسرائيلي فإن الهدف الاستراتيجي بعيد المدى هو تحقيق تصالح بين لبنان وإسرائيل وفقاً لشروط إسرائيلية مسبقة، وبالتداعي فإن المطلوب أيضاً هو عزل سوريا.

من هنا، كان الاصطفاف، والاصطفاف المضاد في لبنان اصطفاف لمن يقبلون بخلق محور لبناني ـ إسرائيلي معادٍ لسوريا انطلاقاً من دوافع نفعية أو طائفية.. يقابله اصطفاف لمن يرفضون انطلاقاً من انتماءات وطنية وعروبية وإسلامية.

نفهم إذن لماذا استثمر ولش «زيارة الدعم» ليتخذ من بيروت منبراً للإساءة إلى سوريا علناً وتهديدها بالويل وعظائم الأمور. فقد أكد تهديد واشنطن برفع الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي في حال «لم تتعاون دمشق بشكل كامل» مع لجنة التحقيق في اغتيال رفيق الحريري.

ومع تكرار التكرار الذي دأبت عليه إدارة بوش في هذا السياق لمدى أشهر متصلة يتولد لديك انطباع بأن من أقصى أماني الولايات المتحدة أن يتواصل هذا التحقيق الدولي إلى الأبد حتى يبقى ذريعة لأقصى حد زمني ممكن من أجل ابتزاز دمشق، والحيلولة دون تبلور صلح لبناني ـ سوري.

«لقد أبلغت الرئيس السنيورة دعم الرئيس بوش لشعب لبنان وللحكومة اللبنانية»، وبهذا المستوى من الصراحة أضاف ولش أن الإدارة الأميركية ترفض أي تدخل من سوريا بما في ذلك «استعمال حلفائها المحليين للتدخل في الأمور الداخلية».

يا للسخرية! أليس مثل هذا القول في حدِّ ذاته تدخلاً أميركياً صريحاً في شؤون لبنان الداخلية؟

إن واشنطن بهذا الأسلوب الفجّ تحرِّض فريقاً لبنانياً على آخر على طريق فتنة قد تؤدي إلى تجدُّد الحرب الأهلية.

وكما نسيت الولايات المتحدة درس فيتنام فإنها، كما يبدو، نسيت أيضاً درس الحرب الأهلية في لبنان، فحلفاء واشنطن وإسرائيل هم الذين خرجوا من تلك الحرب بالهزيمة والعار وسوء المنقلب.

Email