أبجديات

الديمقراطية بيننا وبين مانديلا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع بزوغ فجر يوم الثاني من ديسمبر 2005، مع انتهاء عام واستعداد الإمارات للاحتفال بيومها الوطني، أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة عن آلية جديدة للمجلس الوطني سيتم من خلالها انتخاب نصف أعضاء المجلس مع احتمالات لزيادة عددهم. يومها تلقى الكثيرون الخبر بابتهاج، وقرأ كثيرون القرار بتفاؤل، وراهن كثيرون على مستقبل مختلف وتغيرات منتظرة.

يومها طرح السؤال حول ضرورة هذه الخطوة، وأهمية التوجه الإصلاحي لهياكل المؤسسات الاتحادية وعلى رأسها المجلس الوطني باتجاه النهج الديمقراطي.

ويومها دارت حوارات بدت خافتة ـ وما زالت ـ حول احتياج الإمارات والإماراتيين للديمقراطية، ودخل كثيرون في جدل حول الغاية والوسيلة، هل الديمقراطية غاية بحد ذاتها، أم وسيلة لتحقيق غاية؟ وما هي هذه الغاية بالضبط؟

تذكرت ما قاله المناضل الافريقي الشهير نيلسون مانديلا حينما جاء إلى الإمارات زائرا دبي منذ فترة، يومها قال مانديلا على الملأ إننا في الإمارات لا نحتاج في الحقيقة للديمقراطية، لأن الديمقراطية تبغي في النهاية تحقيق الرفاهية، ونحن في الإمارات نتمتع بأكبر قدر من الديمقراطية!

ولم يعترض أحد على ما قاله المناضل الكبير، لكن كلامه ظل حمّال أوجه، وقابل للجدل والتأويل، خاصة والرجل يحل ضيفاً على الإمارات، والضيف غريب والغريب يكون أديباً (أي مهذباً) على طول الخط خاصة حينما يأتي من دهاليز الحكم والدبلوماسية، حتى وإن كان مناضلاً بدرجة رئيس دولة سابق!

نعم نحن في الإمارات نتمتع بقدر هائل من الرفاهية والحضارة المادية تخطئها العين، لكن هل تتوزع هذه الرفاهية على الجميع في الإمارات؟ وهل نرى مظاهر الحضارة المادية في كل مكان من الإمارات؟

ثم هل الرفاهية هي غاية الوجود الإنساني؟ وهل هي فعلاً غاية الفعل والحراك الديمقراطي؟ لا أعتقد أن الإجابة بنعم يمكن أن تكون مقبولة أو منطقية وإلا لتم على الفور إلغاء برلمانات ومؤسسات ديمقراطية عريقة في أكثر بلاد العالم رفاهية كالسويد والدنمارك وبريطانيا وسويسرا و....!

في الحقيقة فإن للديمقراطية غايات كبيرة جداً، ونحن في الإمارات كغيرنا من دول ومجتمعات العالم بحاجة إلى هذا التغيير، بحاجة إلى تكريس مؤسسات وحقوق وأنماط وثقافة عمل وتواصل، بحاجة إلى أشكال مؤسساتية تؤصل للمجتمع وللإنسان أموراً كثيرة تبدو غائبة أو مغيبة بحاجة إلى حراك ونشاط إنساني سياسي ثقافي تحتفي به الديمقراطية .

وتحميه وترتفع به نحو آفاق واسعة، بدل حالة الموات التي تعيشها كثير من مؤسسات العمل الإنساني والمدني.. نعم نحن نحتاج الديمقراطية حتى وإن بدأت بهذا النزر اليسير فكل شيء يولد صغيراً ثم يتحول إلى عملاق بمقدار ما يلقى من الرعاية والحب والاهتمام.

sultan@dmi.gov.ae

Email