ميركل وتركة شرودر - طلعت اسماعيل

ميركل وتركة شرودر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألقت التقارير عن قيام عناصر من الاستخبارات الألمانية للقوات الأميركية في بداية الحرب على العراق بظلال من الشك والريبة حول مصداقية موقف الحكومة الألمانية السابقة بقيادة غيرهارد شرودر المعلن والرافض للحرب، وتكوينها محوراً مع باريس مناوئاً لـ واشنطن ولندن اللتين اندفعتا إلى ساحة الوغى بكل حماس غير عابئتين بأصوات الاحتجاج من قبل اقرب الحلفاء.

ورغم مسارعة الاستخبارات الألمانية إلى نفي التقارير التي بثتها محطة تليفزيونية ألمانية نقلا عن مسؤول أميركي عن قيام عملاء جواسيس ألمان كانوا في بغداد في ابريل 2003 بمد القوات الأميركية بمعلومات عن مكان تواجد الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في مطعم، تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات خاصة.

وأن وزير الخارجية الألماني الحالي فرانك فالتر شتاينماير والذي كان مسؤولاً في حكومة شرودر لم ينكر وجود عملاء للاستخبارات الألمانية في العراق وقت الحرب.

صحيح أن المسؤول الألماني لم يشر من قريب او بعيد إلى قصة تعاون استخبارات بلاده مع الأميركيين، لكن، وكما يقول المثل، لا يوجد دخان من دون نيران.

ويبدو ان مثل هذه التسريبات التي طالب حزب الخضر الألماني بكشف حقيقتها علنا وليس وراء حجرات مغلقة، كانت مقصوده خاصة وانها سبقت وصول المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جورج بوش في أول زيارة للولايات المتحدة بعد توليها منصب المستشارية في نوفمبر الماضي.

ميركل التي ذهبت إلى واشنطن يحدوها الأمل في فتح صفحة جديدة للعلاقات مع الأميركيين بعد سنوات التوتر التي خلفها اعتراض سلفها شرودر، ربما كانت في احتياج إلى مثل هذه التسريبات التي ربما تكون مفتاحا لترطيب الأجواء مع البيت الأبيض.

كما ان هذه التسريبات جاءت متزامنة مع إعلان ميركل نيتها زيادة المساعدات الألمانية والقيام بالمزيد من اجل «تحقيق الاستقرار في العراق» على حد قول مسؤول ألماني.

لقد خلف شرودر تركة ثقيلة يتحتم على ميركل تحمل تبعاتها إذا أرادت تمتين الجسور مع واشنطن كما ترغب وأمامها خطوات كبيرة لعودة العلاقات إلى سابق عهدها في ضوء النظرة السلبية للشارع الألماني تجاه السياسة الأميركية الخارجية وفي مقدمتها الحرب على العراق.

وطبقا لعدد من المحللين الغربيين فإن الرأي العام الألماني يحمل قدرا كبيرا من التشكك تجاه بوش بسبب العراق وما تردد عن وجود سجون سرية تابعة للاستخبارات الأميركية (سي.آي.إيه) في أوروبا والرحلات السرية لنقل معتقلين عبر الأراضي الألمانية وتعذيب الأميركيين للمحتجزين في معتقل غوانتنامو.

ورغم النوايا الطيبة التي تقود ميركل إلى تحسين علاقة بلادها مع القوى العظمى المتفردة بالعالم في الوقت الراهن إلا أن الأمر لن يكون هيناً لإعادة اللحمة عبر شطري الأطلسي، ليس لأن الأميركيين لا يريدون ذلك.

لكن لأن الوضع الداخلي الألماني ربما لن يعطي ميركل مساحة كبيرة من المناورة للانسلاخ عن سياسة سلفها دفعة واحدة فضلا عن أن الحكومة الائتلافية التي شكلتها مع أكبر منافسيها ستضع حدودا للمدى الذي تستطيع أن تذهب إليه ميركل في الاقتراب من بوش.

Email