زواج المواطنات من الأجانب ـ د. منى البحر

زواج المواطنات من الأجانب

ت + ت - الحجم الطبيعي

تباينت ردود الفعل على تصريحات وزير العدل التي طرحتها جريدة «البيان» يوم الثلاثاء الموافق 3 يناير، والمتعلقة بضرورة أخذ المواطنة موافقة من السلطات المختصة في حالة رغبتها الزواج من غير مواطن. أحد هذه الردود كانت لسماحة الشيخ السيد علي الهاشمي المستشار للشؤون الدينية والقضائية في قصر الرئاسة.

والذي أكد فيها سماحة الدين الإسلامي الذي أعطى للمرأة حقها في اختيار الزوج، ألا أنه، كما يقول في رده، قرار وزير العدل سليم وفي محله، ولا يتعارض مع السنة والشريعة.

فالدولة، كما يقول، تسعى لتنظيم عملية زواج المواطنات من الأجانب «حرصا على منع السلبيات وتأكيد الإيجابيات، وأن الشريعة الإسلامية لا تحجز ولا تمنع ولكنها تنظم ما يترتب على زواج المسلمات من حقوق النسب والنفقة والميراث.... الخ».

شخص آخر سمى نفسه «شحفان» يتساءل عن لماذا تتوجه المرأة للرجل الغريب وتلقي بنفسها في أمور لا يحمد عقباها ويسأل المواطنة في رده أن تتأنى وتفكر جيداً وأن لا تفرط في نعمة الأمن والعيش والخير الذي توفره الإمارات لأبنائها.

مشارك آخر طالب السلطات بسحب جواز سفر المواطنة التي تتزوج من أجنبي وبالتالي حرمانها من كل حقوق المواطنة لأنه يعتقد أن الأجنبي سيتزوجها فقط لكي يحصل على الجنسية ويستفيد من امتيازاتها.

معظم الردود المؤيدة لتصريحات وزير العدل كانت محصورة في الجانب المادي والامتيازات التي قد يحصل عليها الزوج غير المواطن، ومتجاهلة لكل الجوانب الإنسانية الأخرى.

في المقابل، كانت هناك الكثير من الردود المنصفة والموضوعية على هذا الشأن الذي أصبح مؤرقا والذي أعتقد أنه لم يتم تناوله من قبل الجهات المعنية بشيء من التعمق والدراسة.

فمن الواضح أن ما لدى السلطات المعنية بعض الإحصاءات فقط المتعلقة بنسبة المواطنات المتزوجات من أجانب والتي تعتبر قليله مقارنة بنسبة المواطنين المتزوجين من أجنبيات.

ما يهمنا هنا هو تصريحات سماحة الشيخ السيد الهاشمي، بحكم أنه رجل علم ودين وتصريحاته سوف تترك صدى أكبر لأنها منطلقة من أسس شرعية وعلمية: فإذا كانت الدولة، يا سيدي الفاضل، ترغب في تنظيم عملية الزواج بشكل عام، وذلك لحفظ الحقوق والواجبات، ولمنع السلبيات وحفظ أمن البلد واستقرارها فلماذا إذاً يستثنى الرجل من ذلك؟

لماذا يا سيدي لم تتطرق لزواج المواطن من أجنبية مع أنه ليس بخافٍ عليك ولا علينا ان هذا الزواج لا يخلو من المخاطر والسلبيات، وهناك الكثير من السلبيات التي نواجهها بشكل يومي نتيجة لمثل هذه الزيجات غير المتكافئة؟ أهو زواج المواطنة من أجنبي فقط الذي سيجر علينا الويلات؟

أنا يا سعادة الشيخ لا أشجع الزواج من أجنبيات لا للرجل ولا للمرأة، وليس مقالي هذا دعوة للمواطنات للزواج من أجانب، ولكنني أرى أنه لا بد من إحقاق الحق ومعاملة الجميع سواسية كان رجلاً أو امرأة، خاصة وأن دستور البلد أقر هذه المساواة.

وتم تعزيزها في كثير من جوانب حياتنا، فلماذا عندما يتعلق الأمر بالزواج تتغير موازيننا ويهضم حق المرأة في الوقت الذي يتمتع فيه الرجل بكل الحقوق هو وزوجته الأجنبية؟

إذا كان الأمر عبارة عن إجراء تنظيمي وليس فيه ما يلزم المواطنة أو عدمه فلماذا لا يطبق هذا الإجراء على الجميع، الرجل قبل المرأة، خاصة إذا كان هذا يصب لمصلحة الوطن واستقراره؟

إن تصريح معالي وزير العدل وتثنية سماحة الشيخ الهاشمي عليه يحمل الكثير من الدلالات الاجتماعية والتي أهمها كما يتبدى للفاحص للأمر النظرة الدونية للمرأة خاصة في ما يتعلق بأهليتها العقلية في اتخاذ قرارات حياتية مهمة مثل قرار الزواج.

ففي الوقت التي تطالب فيه ليس فقط بإشراك أهلها المقربين منها ولكن أيضا السلطات الحكومية المختصة، يرتع الرجل بمنتهى الحرية يتزوج ممن يشاء بغض النظر عن خلفية هذه المرأة الدينية، الثقافية أو الاجتماعية، وبدون استئذان أهله أو زوجته الأولى أو حتى أبنائه من زيجاته الأولى. أليس هذا فيه كثير من الإجحاف.

اليوم نرى الكثير من الرجال ممن يعانون من أزمة منتصف العمر يتزوجون من فتيات صغيرات في السن من جنسيات مختلفة ويرزقون بأبناء وبنات لن يستطيع هذا الرجل تربيتهم في أحرج سنوات عمرهم لأنه سيكون في أمس الحاجة لمن يرعاه بسبب كبر سنه.

نرى اليوم شباباً مواطنين من أمهات أجنبيات لا يتكلمون لغة القرآن يا سيدي الشيخ ولا يعرفون شيئاً من ثقافتهم الإماراتية، ومنهم أيضا من تنصر متبعاً في ذلك ملة أمه. ألا يخيفكم هذا بقدر ما يخيفكم زواج المواطنة من رجل مسلم غير مواطن! هل مثل هذه الزيجات المكتوب لها الفشل وعدم الاستقرار تدل على أية أهلية عقلية!

لماذا عندما نتناول هذه القضية ننظر فقط للجانب المادي فيها، ذلك الجانب المتعلق بمطامع الزوج الأجنبي في المواطنة؟ هناك من المواطنات من تزوجن بأجانب، الدولة بحاجة لوجودهم فيها بحكم تخصصاتهم العلمية النادرة وبحكم أنهم يشكلون إضافة نوعية لموارد البلد البشرية، فكم من المواطنين الرجال تزوج بنساء يشكلون مثل هذه الإضافة؟

أو ليس الغالبية العظمي من الأجنبيات المتزوجات من مواطنين دون المستوي العلمي والثقافي الذي قد يشكل إضافة حقيقية؟ أو ليس أحد أهم دوافع الزواج بالنسبة لأغلبيتهن هو دافع مادي؟ ألا يجب علينا أن نراعي كل هذه الحيثيات وغيرها عند تناول مثل هذه القضية وأن تكون موازيننا عادلة إذا كان الهدف مصلحة الوطن والمواطن؟

أن الخطاب المطروح حول هذه القضية خطاب يُحمل في ثناياه بأيديولوجيا «طهورية» مبنية على قمع حق المرأة ومراقبة انفعالاتها النفسية؛ أيديولوجيا تعزز مركزية سلطة الرجل وتنقلها من حيز المرئي إلى حيز اللامرئي.

بمعني آخر، ايديولوجيا تعزز سلطة تتجاوز رغبة السيطرة على الجسد (المرئي) إلى السيطرة على الروح، الفكر، والأفئدة (اللامرئي)؛ ايديولوجيا تمارس قمعاً مادياً وقمعاً رمزياً باسم «المحافظة على حقوق المرأة المواطنة» و «المحافظة على أمن واستقرار البلد».

albaharm@yahoo.com

جامعة الإمارات

Email