خط مباشر

عـظـة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما انتشر نبأ وفاة الحجاج بن يوسف ـ الاستبدادي الدموي الذي كان يمارس قتل الناس كضرب من الرياضة والتسلية الشيطانية ـ هرع أهل بغداد عن بكرة أبيهم صوب قصره، وقد ركبتهم موجة فرح عارمة، للتسابق في التمثيل بجثته من قبيل الانتقام.

كلمة واحدة فقط من ابنة الحجاج هي التي أطفأت الهستيريا التي سيطرت على مشاعرهم، ومن على سطح الطابق الثاني وهي تستشرف الجموع السكرى بالابتهاج، قالت ابنة الحجاج: «يا أهل بغداد: يفرح بالموت من لا يموت».

وبما أن حكمة الموت تبقى أزلية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فإنني أتساءل: لماذا يفرح العرب بموت آرييل شارون أو قرب موته بينما الموت مكتوب علينا جميعاً كبشر كحتمية إلهية لا مفر منها؟

ولكن من ناحية أخرى هل نحن بحاجة إلى إدراك حكمة الموت وحتميته لكي تصحو أذهاننا على حقيقة أن موت الزعماء الأفراد في دولة مؤسسات كإسرائيل لا يعني نهاية الدولة اليهودية أو إصابتها بالوهن أمام الأمة العربية والإسلامية؟

إن مراهنة عربية على موت زعيم إسرائيلي مهما بلغ من الكاريزما والقوة والعزم لا تعكس عربياً سوى حالة من العجز والشعور الحاد بالإحباط. فرحيل زعيم فرد حتى ولو كان «بلدوزر» لن يغير شيئاً في جوهر الظاهرة الإسرائيلية ذات الطابع العدواني الراسخ تجاه العرب والمسلمين.

كم من زعيم إسرائيلي فرد رحل إلى الأبد بينما صارت إسرائيل بعده أشد قوة في ظل زعامة تالية؟

رحل ديفيد بن غوريون وغولدا مايير بعد أن شاركا في إرساء ركائز الدولة اليهودية عندما خرجت إلى حيز الوجود قرب نهاية عقد الأربعينيات في القرن المنصرم.

ورحل مناحيم بيغن بعد أن أنجز مهمة إبرام أول معاهدة سلام إسرائيلية مع دولة عربية.

ورحل إسحاق رابين بعد أن تزعم عملية قمع الانتفاضة الفلسطينية الأولى خلال نهاية الثمانينات وبداية التسعينات مما مهد لعهد «أوسلو».

ومع رحيل هؤلاء وغياب شارون يبقى شمعون بيريز وبنيامين نتانياهو وباراك وإيهود أولمرت وشاؤول موفاز وغيرهم.

ما هي إذن العظة الصحيحة التي ينبغي على الشعوب العربية والإسلامية استنباطها من غياب آرييل شارون؟

من المنظور العربي الإسلامي والمنظور الإنساني العام فإن شارون مجرم شرير. لكنه من منظور إسرائيل والأمة اليهودية عموماً يصنف كبطل مقدام ووطني مخلص يمارس نضاله من أجل شعبه وأمته بهمة لا تفتر وشراسة لا مزيد عليها.

أليس هذا هو طراز الزعامة الذي تحلم به الشعوب العربية والإسلامية؟

لكن الزعامات من هذا الطراز لا تأتي من كوكب المريخ إنها زعامات تنجبها شعوب ولن يتسنى لأي شعب أن ينجب مثل هذه الزعامة إلا إذا كان شعباً يريد الحياة فيستجيب له القدر.

على الشعوب العربية والإسلامية إذن ان تنظر في حالتها الذاتية مقتدية بسنة الله في خلقه وهي التغيير نحو الأفضل.

Email