الطريق الوعر في الخريطة السياسية الكويتية

الطريق الوعر في الخريطة السياسية الكويتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء في صحيفة «الرأي العام» الكويتية في عددها الصادر يوم الاثنين الثاني من يناير الجاري خبر دعوة الحركة الدستورية الكويتية إلى حوار وطني يشكل مدخلاً مناسباً للوصول إلى لغة مشتركة لطرح حلول جماعية لإشكاليات تعوق خطوات الإصلاح السياسي والتنمية وتساعد هذه الإشكاليات على نمو الفساد بشكل غير مسبوق وان الحركة توصلت إلى اتفاق مع القوى السياسية على عقد مؤتمر للحوار الوطني في شهر فبراير المقبل يناقش القضايا المرتبطة بالاصلاح السياسي».

ويضيف الأمين العام للحركة الدستورية الدكتور بدر الناشي في تقريره للجمعية العمومية للحركة بأن الحوار الوطني أصبح ضرورة ملحة في ظل حكومة تريد تقديم الحلول من طرف واحد وأضحى هذا الحوار الوطني أكثر أهمية في ظل تنامي تيار التطرف يريد ان يفرض رأيه بقوة العنف ولغة التهديد وفي واقع - يعني واقع المجتمع الكويتي - تفرقت فيه القوى السياسية خلف أسوار عالية من الطائفية أو القبلية أو الأنانية السياسية أو تقديم المصالح الذاتية وانه من حسن الطالع ان تثمر لقاءات الحوار الوطني مع القوى السياسية عن الاتفاق على عدد من القضايا المشتركة والدعوة إلى الإصلاح الوطني تطرح في المؤتمر في شهر فبراير المقبل.

هذا ما جاء في بيان الحركة الدستورية عن المؤتمر المقترح. وفي بلد مفتوح اعتاد على الحوار وعاش على الجدل السياسي والاجتماعي وتذوق الكثير من المشارب الأيدلوجية المختلفة لا توجد غضاضة في التفكير في مؤتمر وطني شامل لبحث المتنوعات الصعبة التي يتحدث عنها منظمو المؤتمر ونبدي بعض الملاحظات من اجل الإسهام في تبسيط قراءة جدول الأعمال المقترح.

أولا: يقول محمد العليم الناطق الرسمي باسم الحركة الدستورية بان المؤتمر سيركز على تعديل الدوائر الانتخابية وإصدار قانون الأحزاب واستقلال القضاء وإصلاح النظام القضائي والحريات العامة وقانون المطبوعات وهذه الحزمة هي الجوهر الذي ترتكز عليه قاعدة العمل السياسي وانجازها يأتي بنقلة في الحياة السياسية الكويتية والخليجية بشكل غير مسبوق يمكن ان تدخل المنطقة في تحولات نحو النموذج الماليزي.

وهذه الحزمة تشكل قفزة واسعة على مضمون الدستور الكويتي وهو المرجعية القانونية والشرعية للنظام السياسي الكويتي تترجم الطموح المستقبلي أكثر من التجاذبات مع حقائق الواقع وترنو نحو الآمال بعيدة عن الممكن القريب.

والحديث عن طرح الأحزاب ليس بدعة ولا تحريماً لكن طرح الأحزاب له ضوابط ويدخل الكويت في بيئة مختلفة تمس نظام الحكم مباشرة بما فيها الصلاحيات التي حددها الدستور وأبرزها الدور المؤثر لأهل النظام في مسيرة الحكم فنحن مازلنا نعيش في واقع لا يمكن فصل نظام الحكم عن المسيرة الشاملة للبلاد وهو أمر عسير يثير الخلافات ويجلب القلق من المجهول ويسبب الكثير من الإشكاليات.

ومثل هذا الموضوع يحتاج إلى التعامل معه بأسلوب مختلف لم نصل فيه إلى المرحلة التي ندعو فيها إلى مؤتمر عالمي تحشد فيه الطاقات الإعلامية المحلية والعربية والدولية لأنه لم ينل حقه من التشاور التقليدي المتواصل بين الأطياف السياسية المختلفة ويدخل البلاد في بلبلة محبطة.

يتيح الدستور الكويتي الحالي للأمير مكانة خاصة في قيادة الهرم الثلاثي السياسي التشريعي والتنفيذي والقضائي ويختار الأمير من يثق فيه لإدارة العمل التنفيذي والإشراف على سير الدولة بشكل شامل.

وبدون مفاتحة بنود الدستور في حوارات واقعية ودراسة هذه البنود بما تحتضنه من إجماع كويتي حولها دراسة متأنية وبدون تحقيق إجماع شعبي كامل وبدون وجود وعي ثقافي في أبعاد التبديلات وتأثيرها على مصير الكويت، ليس من المفيد في هذه الظروف طرح موضوع الأحزاب في مؤتمر شعبي عام بسبب الطبيعة التفجيرية التي يحملها الموضوع.

ثانياً: نحن نردِّد وفي كل المناسبات بالصيغة الديمقراطية التي ولدها الدستور، ويعني ذلك الحفاظ على احترام دور المؤسسات التي جاءت من حضن الدستور ودعم دورها، وترسيخ مسؤولياتها، وأتصور أن التحسينات التي ندعو لإدخالها في اللوحة السياسية الكويتية يجب أن تخرج من رحم مجلس الأمة، وأن يتبنى النواب الذين يتعاطفون مع الحركة الدستورية طرح المقترحات التي يريدونها على جدول أعمال مجلس الأمة، بما في ذلك تشكيل الأحزاب، حتى تبدأ المناقشات من القاعة الدستورية في مجلس الأمة حول أهلية الموضوع وفوائده ومن ثم تتواصل في ممرات الحياة السياسية في الكويت.

لن يتيح مؤتمر عام حول الأحزاب المجال للذين لهم رأي آخر المشاركة وطرح وجهات نظرهم والدفاع عنها، فالواضح أن الفكرة هي خلق تجمع شعبي عبر مؤتمر يشكِّل وسيلة ضغط ووسيلة تعبئة خارج المبنى الشرعي الدستوري، والواقع الحالي في مجلس الأمة يمكِّن النواب من مختلف الألوان اقتراح ما يرونه، بما فيها الأحزاب وغيرها، في الإطار الدستوري الذي لا يفتح تصدعات جديدة في اللوحة السياسية الكويتية.

ثالثاً: يوجد وعي كبير في الكويت والخليج في نبذ الطائفية وإدراك واسع لدمار القبلية، ورفض للمنافع الشخصية والذاتية، وهي من العناصر التي يريد المؤتمر الشعبي مناقشتها، وهذه العناصر مادة يومية للإعلام والصحافة والمنتديات السياسية والديوانية في المنطقة، نتحدث عنها كلنا بالامتعاض،

يظل المجتمع الكويتي متحركاً ديناميكياً عالي الصوت في مداخلاته وسريع التحرك نحو طموحاته، ولعل الأفكار التي جاءت حول المؤتمر الشعبي حركتها قوة الطموح لدى المواطن.

رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية ـ الكويت

Email