أصدقاء أميركا المدللون وازدواجية المعايير

أصدقاء أميركا المدللون وازدواجية المعايير

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء الحكم الذي أصدرته محكمة جنايات القاهرة يوم السبت الموافق 24/12/2005، والقاضي بحبس الناشط المصري ورئيس حزب الغد أيمن نور خمس سنوات مفاجئاً للجميع من حيث غلظته من ناحية، ومن حيث عدم تصديق الكثيرين لواقعة تزوير توكيلات الحزب المتهم فيها نور من ناحية أخرى.

ويرى قانونيون أن محاكمة نور جاءت غير محايدة إلى حدٍ بعيد، وامتزجت بالرغبة في معاقبة السلطات المصرية له بسبب مواقفه المناوئة لها، ودخوله طرفاً معارضاً لرئيس الجمهورية في انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة، وحصوله على 7% من جملة الأصوات أهلته للحصول على المركز الثاني في مفاجأة أذهلت الكثيرين.

ولعل مواصلة السلطات المصرية القبض على نور ومحاكمته بمثل هذا الحكم القاسي، يعكس رغبتها في إنهاكه، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع الناشط المصري وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية بالقاهرة سعد الدين إبراهيم؛ الأمر الذي يمكن معه القول بأن ما يحدث الآن مع نور هو السيناريو نفسه الذي حدث مع سعد الدين إبراهيم من حيث تشويه السمعة وعمليات القبض والإفراج المتتالية والسجن ثم الإفراج بعد مرور وقت طويل من الممارسات الإنهاكية المنظمة.

لسنا هنا في معرض الدفاع عن نور أو إدانته، وإن كنا نرفض تماماً أية ممارسات قمعية ضد النشطاء السياسيين ليس فقط في مصر ولكن في كل مكان في العالم، ولكن ما يعنينا هنا هو الكيفية التي تعاملت بها الإدارة الأميركية وصحفها مع الحكم الصادر ضد نور، والكيفية التي عكس بها هذا التناول المعايير المزدوجة والانتهازية من جانب الإدارة والصحافة الأميركية.

أكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية آدم إيرلي على رفض الحكومة الأميركية للحكم الصادر ضد نور، وعلى تأثير ذلك على العلاقات الأميركية المصرية في المرحلة المقبلة. ويلاحظ هنا أن الناطق باسم الخارجية الأميركية لم يقترب من مسألة المساعدات الأميركية لمصر التي تبلغ مليارين من الدولارات، حيث أكد على أن المسألة لم تصل بعد إلى هذا الحد من التفكير في اتخاذ إجراءات وتدابير محددة لمعاقبة الحكومة المصرية.

اللافت للنظر أيضاً تناول أكبر صحيفتين أميركيتين، نيويورك تايمز والواشنطون بوست، للحكم الصادر ضد نور والتأكيد على ضرورة اتخاذ الإدارة الأميركية إجراءات صارمة ضد الحكومة المصرية، بما فيها التلويح بالتهديد بقطع المساعدات الأميركية السنوية لمصر.

لم يختلف موقف كل من الإدارة الأميركية وصحافتها تجاه الحكم الصادر ضد نور عن موقفهما تجاه سعد الدين إبراهيم منذ سنوات؛ حيث يمكن القول بأن الموقفين قد اتسما بالتشابه الكبير من حيث الضغوط المتواصلة والقوية على الحكومة المصرية من جانب، والتلويح بمسألة المساعدات الأميركية المقدمة لمصر من جانب آخر.

يستدعي الاهتمام الأميركي الواسع المدى بنور ومن قبله إبراهيم تساؤل المرء عن أسبابه ودوافعه من ناحية، وعن الأسباب التي تمنع تعميم هذا الاهتمام على كافة سجناء الرأي والنشطاء السياسيين الآخرين من أصحاب الاتجاهات المخالفة والمعارضة للولايات المتحدة الأميركية من ناحية أخرى.

ويمكن القول بداية أن هناك علاقة طردية بين الانتهاكات الأميركية المستمرة لحقوق الإنسان وبين البروباجندا الدائمة التي تثيرها أميركا حول انتهاكات حقوق الإنسان في الكثير من دول العالم، مستغلة في ذلك النفوذ والقوة التي تتمتع بهما منذ سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي.

ولأن الذي بيته من زجاج يجب أن يحترم نفسه ولا يقذف بيوت الآخرين بالطوب، فإن علينا هنا أن نذكّر أميركا بما يحدث في غوانتانامو وأبي غريب وفي السجون السرية في كافة أرجاء العالم وبممارساتها العدائية ضد أميركا اللاتينية واحتلالها لأفغانستان والعراق مع استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ضدهما.... إلخ من مسلسل القمع والعنف والقتل والتشريد والاحتلال الذي تمارسه أميركا منذ بداية ظهورها على مسرح التاريخ وحتى الآن.

وإذا كان هذا هو حال الإدارة الأميركية الراهنة المعروفة بتوجهاتها اليمينية العدوانية تجاه العالم بشكلٍ عام، وتجاه العرب والمسلمين بشكلٍ خاص، فقد كان من المفروض أن تتمتع الصحافة الأميركية بقدر أكبر من النزاهة والحيدة، لكن على ما يبدو أن الصحافة الأميركية الحالية تشبه إلى حدٍ بعيد الصحافة العربية الرسمية التي تعبر عن توجهات الكثير من النظم العربية أكثر مما تعبر عن التوجهات الخاصة بها.

يلفت النظر هنا أمران على قدر كبير من الأهمية والمفارقة العبثية في الوقت نفسه؛ أولهما هو ازدواجية معايير الموقف الأميركي الحكومي والصحافي على السواء تجاه مسألة حقوق الإنسان بعامة، والنشطاء السياسيين بخاصة. فمن ناحية أقامت أميركا وصحافتها الدنيا وأقعدتها، حينما تعلق الأمر بنور ومن قبله إبراهيم، وهو الأمر الذي عادة ما تتخذه أميركا أيضاً بخصوص ما يتعلق بأوضاع الأقباط في مصر. ومن ناحية أخرى وحينما يتعلق الأمر بأي من النشطاء الإسلاميين فإنها تطبق سياسية «أذن من طين وأذن من عجين» حيث تُصاب الإدارة الأميركية بالصمم، وتصاب الصحافة الأميركية بالعمى الكامل.

والمثل الواضح والحديث هنا هو ما لحق بالناشط الإسلامي الإخواني البارز عصام العريان من سجن حقيقي فقد من خلاله ست سنوات من عمره بين غياهب السجون المصرية، مع العلم بأن جريمته لم تتعلق بالاشتباه في تزوير أو في تلقي مساعدات خارجية... إلخ من تلك التهم الموجهة ضد النشطاء السياسيين.

وفي معمعة الانتخابات المصرية الأخيرة ألقت السلطات المصرية القبض على العريان وتحفظت عليه طوال فترة إجراء الانتخابات، ولم نسمع للإدارة الأميركية حساً ولا خبراً، كما أن الصحافة الأميركية لم تعر القضية أية أهمية، وكأن العريان ينتمي لكوكب آخر، وكأنه لا تنطبق عليه نفس معايير حقوق الإنسان، وحرية النشطاء السياسيين. وعلى كل الأحوال فقد خرج الرجل من سجنه سليماً معافاً بدنيا ونفسيا بدون الحاجة لأميركا وإداراتها وصحافتها.

الأمر الثاني هنا هو ما يتعلق بمسألة المعونة الأميركية لمصر، والتي تناولها الصحافيون الأميركيون وحرضوا من خلالها الإدارة الأميركية على ضرورة التلويح بها ضد الحكومة المصرية، وهو الأمر الذي يستدعي من النظام المصري أن يجد لنفسه مخرجاً بخصوص هذه المعونة يقيه هذه الضغوط التي تمارسها أميركا عليه بين الفينة والفينة.

إن مليارين من الدولارات ليست بالشأن الكبير الذي يكبل دولة بمثل حجم مصر، وشعب بمثل عراقة شعبها؛ من هنا فمن الضروري العمل على إيجاد حلٍ يفك هذا العقد الخاص بمسألة المعونة الأميركية لمصر، والذي يتيح لهؤلاء الصحافيين هذا القدر من التبجح والصفاقة على معاقبة مصر وشعبها.

نتمني في النهاية أن يخرج أيمن نور من هذه المحنة التي يواجهها معظم النشطاء السياسيين في عالمنا العربي متعافيا بدنيا ونفسيا بعيداً عن براثن الأميركيين وغوايتهم المنصوبة له؛ ففي مرحلة كانت علاقة نور بأميركا حميمة، حيث لقبه البعض بفتى أميركا المدلل، وفي سياق مرحلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة اتهم نور الحكومة الأميركية بأنها قد باعته للنظام المصري.

وكما أنه من الضروري أن تعيد الحكومة المصرية حساباتها بخصوص المعونة الأميركية، فإنه من الضروري أن يعيد أيمن نور أيضاً النظر في علاقاته بأميركا التي لن تفيده شيئاً، وله في النهاية حرية الاسترشاد إما بحالة سعد الدين إبراهيم أو بحالة عصام العريان.

كاتب مصري

Email