منتقدو بوش يثأرون لكبريائهم

منتقدو بوش يثأرون لكبريائهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كان أبراهام لينكولن يدير حرباً مثيرة للجدل، ملأ حكومته بمنتقدين سابقين وخصوم محتملين من أمثال سالمون تشيس، إدوين ستانتون ووليام سيوارد. ربما كان يسعى لتحقيق تنوع في الآراء أو كان يأمل إرضاء شرائح أوسع من جمهور الناخبين. لكن من المحتمل أيضاً أن الرئيس البارع كان على قناعة بأن التودد للشخصيات المغرورة في واشنطن خيار أكثر ذكاء من إغضابهم على المدى البعيد.

وفرانكلين روزفيلت فعل الشيء نفسه خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ضم في حكومته جمهوريين مثل فرانك نوكس وجون مكوي وهنري ستيمسون.

وكذلك فإن بيل كلينتون الماكر جلب إلى صفّه المعلق المحافظ ديفيد غيرغن، لا بل إنه استطاع أيضاً التملص من الانتقادات لقيامه بعدة حملات قصف دون الحصول على موافقة الكونغرس ـ في العراق، البوسنة، كوسوفو وإفريقيا ـ وذلك عن طريق وضع الجمهوري وليام كوهين في إدارة وزارة الدفاع، ومن الواضح، أن كلينتون رأى، كما رأى لينكولن وروزفيلت من قبله، إن الكثيرين في واشنطن لا يحاولون تسجيل نقاط ضد سياسة هم جزء فيها.

ومعظم الأميركيين لا يودون رؤية نانسي بيلوسي وزيرة للدفاع أو هاورد دين مستشاراً للأمن القومي، لكن هناك طرقاً كثيرة أخرى لتجريد المنتقدين من أسلحتهم دون تعريض أمن الولايات المتحدة للخطر. ولننظر إلى ثلاثة من أقوى أصوات منتقدة لبوش.

المحارب القديم جون مورتا، الذي كان من أشد مؤيدي البنتاغون، أصبح الآن ينتقد كل مظهر من مظاهر السياسة الأميركية الحالية في العراق. وهو يكتب ويحاضر ويقوم بمقابلات صحافية لا تعد ولا تحصى منتقداً الحرب الحالية بأنها فاشلة بكل المقاييس.

وفي الحقيقة إن عضو مجلس النواب الأميركي مورتا أصبح مولد الطاقة المحفز للحشود المناهضة للحرب، ما الذي غيره إلى هذا الحد؟ دعونا ننظر في هذه الجملة المأخوذة في مقالة نشرتها «نيوزويك» أخيراً عن مورتا: «عندما حاول مورتا الكتابة إلى جورج بوش مقدماً بعض الاقتراحات حول خوض حرب العراق، تم تجاهل رسالته كلياً من جانب البيت الأبيض».

ثم أفرغ مورتا الغاضب ما في صدره من حنق في حديثه للمجلة قائلاً: «لم يصلني أي رد ولا حتى اتصال واحد. لا أعرف إلى من يتكلمون، لو تحدثوا للناس لما حدث كل هذا الغليان، ولو تحدثوا معي لما حدث أي من هذا».

ومن الواضح بالنسبة لي إن غضب مورتا نابع من إحساسه بالمهانة بسبب تجاهل البيت الأبيض له وليس نابعاً من رغبة حقيقية بتأليب الرأي العام ضد الحرب.

وكذلك أيضاً فإن مستشار مكافحة الإرهاب السابق ريتشارد كلارك استنفر كل جهوده الإعلامية ليؤكد للشعب الأميركي بأن كل النجاحات السابقة ضد الإرهاب كانت في معظمها نجاحاته هو وأن الأخطاء الكبيرة الحالية المزعومة كلها أخطاء الإدارة. وألف كلارك كتاباً وظهر على شاشات التلفزة مراراً وتكراراً وألقى الكثير من المحاضرات العامة لإثبات أن المسعى للإطاحة بصدام حسين وتشجيع الديمقراطية كان مسعى طائشاً متهوراً إلى درجة الحماقة.

لكن هنا مرة أخرى نجد أن تحول كلارك من شخص مطلع على بواطن الأمور إلى شخص يبحث عن الفضائح لتفجيرها علناً يعود إلى حد كبير إلى إحساسه بالمهانة وجرح كبريائه، فلقد واجه خسارة كبيرة بعد تولي كوندوليزا رايس إدارة مجلس الأمن القومي حيث تم تخفيض عدد العاملين في مكتبه وتقليص لقاءاته مع الأشخاص المتنفذين في الإدارة وعندما أنشأ الرئيس بوش وزارة الأمن الداخلي، لم يتصل أحد بكلارك المسكين للمساعدة في إدارتها.

والجنرال ويسلي كلارك أثبت أيضاً أنه منتقد قوي للحرب في العراق وكان دائماً ينهل من خلفيته العسكرية ـ خلال حملته الرئاسية وفي لقاءاته التلفزيونية وأعمدته الصحافية ـ ليؤكد لنا أن حرب العراق كانت حماقة دنيئة.

لكن هذا الجنرال المهموم لم يكن دائماً ميالاً إلى هذا الحد لانتقاد إدارة بوش. وقبل 11 سبتمبر قال كلارك ذات مرة: «أنا مسرور جداً أن لدينا فريقاً عظيماً في الحكومة فيه، أشخاص فيه مثل كولن باول، دونالد رامسفيلد، ديك تشيني، كوندوليزا رايس، بول أونيل ـ وكلهم أشخاص أعرفهم جيداً ـ ورئيسنا جورج بوش.

إذن كيف ولماذا تحول النصير السابق لبوش إلى منتقد محموم وخصم سياسي شرس؟

من المؤسف القول إن السبب الشخصي نفسه لعب دوراً هنا. ويقول بيل أوينز، حاكم كولورادو ومارك هولتزمان المرشح لحاكم الولاية الآن إن كلارك اشتكى لهما قائلاً: «كان من الممكن أن أكون جمهورياً الآن لو رد كارل روف على مكالماتي الهاتفية».

بالطبع إن هذه القصص مروية من طرف واحد، والانتقادات من بعض المطلعين على بواطن الأمور ليست دائماً لمصالح شخصية، وحتى لو كان مورتا ريتشارد كلارك والجنرال ويسلي كلارك قد تم صدهم بطريقة وقحة، فهذا طبيعي لأنه لا يوجد في واشنطن ما يكفي من سيارات الليموزين والمكاتب الفخمة لإرضاء كل شخصية مجروحة الكبرياء من هذا النوع.

وإضافة إلى ذلك فإن هؤلاء الثلاثة يشتركون فيما بينهم بقواسم مشتركة غريبة أخرى. فهم عملوا مع البيت الأبيض عن كثب عندما كان كلينتون الديمقراطي في الإدارة، وهم أذكياء وجريئون وبعد أن جرحتهتم الإدارة الحالية، أصبحوا يلحقون الضرر بالمواقف الأميركية الحالية في العراق وهؤلاء الثلاثة مختلفون عن المرتدين الخائفين من أمثال السفير جوزيف ويلسون ومفتش الأسلحة سكوت ريتر.

وهذه كلها دروس مستفادة في إدارة حرب صعبة ولا ينبغي لنا أن ننسى اعتبارات مهمة قديمة قدم التاريخ مثل الكبرياء والشرف والمكانة.

ولذا ربما يحسن المرة المقبلة ملاطفة الأشخاص المزعجين مثل جون مورتا أو ريتشارد كلارك أو ويسلي كلارك ـ حتى لو كانت نصائحهم على الأرجح غير سليمة وليس ضرورياً إعطاؤهم مناصب وزارية ـ يكفي دعوتهم للدردشة معهم في البيت الأبيض بدلاً من تركهم يصرخون عليه من الخارج.

خدمة «لوس أنجلوس تايمز»

خاص لـ «البيان»

Email