سنة مكللة بالعار

سنة مكللة بالعار

ت + ت - الحجم الطبيعي

بالنظر إلى الأنباء التي تردنا من واشنطن هذه الأيام، لا يسع المرء سوى التطلع إلى العام 2006 لأن عام 2005 طال أكثر من اللازم. بدأت السنة المنصرمة بإعلان الرئيس عن خطة خصخصة الضمان الاجتماعي وخفض التعويضات الاجتماعية على رأس قائمة أولوياته. ولحسن الحظ فإن الأميركيين رفضوا خطة بوش حالما فهموا خباياها.

وانتهت السنة بتصويت مجلس الشيوخ على اقتطاع 40 مليون دولار من البرامج المصممة لمساعدة الفقراء والطبقة العاملة ـ بما في ذلك إقرار أكبر تخفيض في برامج قروض الطلاب في تاريخ البلاد. وأولت الإدارة أهمية كبيرة لتمرير هذه التخفيضات لدرجة إن نائب الرئيس ديك تشيني عاد من باكستان للإدلاء بالصوت الحاسم. ويصف الجمهوريون في الكونغرس هذا الأمر بأنه نابع من «المسؤولية المالية»، لكن هذه أكذوبة.

وهم سيعودون إلى الكونغرس مرّة أخرى قريباً وهم عازمين على تمرير تخفيضات ضريبية بقيمة 100 مليار دولار لا يكاد يستفيد منها سوى الأثرياء أصلاً. وبطبيعة الحال فإن العجز في الميزانية سوف يصبح أكبر، لأن التخفيضات في ميزانيات برامج الرعاية الصحية ودعم التدفئة وقروض الطلاب لن تغطي كل التخفيضات الضريبية الممنوحة للأثرياء.

وكان الحدث الكبير في نهاية السنة المنصرمة ادعاء الرئيس بأن لديه سلطة تخوله إقرار التجسس على الأميركيين دون الرجوع إلى المحكمة. هذا الرئيس يدعي لنفسه الآن الحق في التجسس عليكم، اعتقالكم دون توجيه اتهامات، احتجازكم دون توفير محام وحبسكم دون مراجعة قضائية. وهذه الادعاءات الرهيبة يقضّ مضاجع المؤسسين الأوائل الذين كتبوا الدستور بشكل واضح وصريح لإيجاد رئيس يحكم تحت القانون وليس ملكا يحكم فوق القانون.

كل سنة 2005 السنة التي تعلمنا فيها التكلفة الحقيقية للفساد. فزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب توم ديلاي، الذي يواجه الآن اتهامات بغسيل الأموال، عاش حياة الغولف المترفة في أرقى المنتجعات ورحلات المتعة على الطائرات الخاصة للشركات للاستجمام في أروع الجزر في أنحاء العالم، بينما كان يجمع التبرعات للحزب الجمهوري. ونحن الذين دفعنا الفاتورة. فلقد جمع ديلاي الملايين من شركات الصناعات الدوائية وشركات التأمين الصحي ثم المليارات من قانون العقاقير الدوائية الذي حظر فعلياً على نظام الرعاية الطبي «مديكير» التفاوض مع شركات الأدوية للحصول على أسعار أفضل.

من يدفع ثمن هذا كله؟ نحن من يدفع ـ بوجود خطط خبيثة مشوشة ترفع ضغط الدم أكثر مما تعالجه، ترغمنا على دفع أعلى سعر في العالم لقاء الحصول على العقاقير الدوائية. وشركات النفط حصلت على مليارات على شكل مساعدات حكومية، مع انها تجني ارباحاً قياسية، والنتيجة ان أسعار الوقود ارتفعت على المستهلك الأميركي وأصبحنا أكثر اعتماداً على النفط الأجنبي. وهكذا دواليك. إن سياسات المصالح الخاصة تنتهك فأي مفهوم لخدمة الصالح العام.

وكانت 2005 السنة التي أدركنا فيها التكلفة الحقيقية للمحسوبية في العمل السياسي، حيث عيّن الرئيس بوش في رئاسة الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ مساعداً سابقاً له في صلته الانتخابية كان قد فشل في عمله السابق كمنظم لعروض الخيل.

وعندما ضرب الاعصار كاترينا نيو اورليانز، دفع الآلاف ثمن ذلك بالمعاناة وبعضهم دفع روحه ثمن تلك المحسوبية. وبعد ذلك اخفقت الإدارة اخفاقا شنيعاً في مشروع مساعدة الناجين للوقوف مجدداً على أقدامهم وإعادتهم لديارهم.

برغم العهد الذي قطعه بوش على نفسه بأسلوب درامي مثير على شاشات التلفزة في أعقاب الكارثة، فإن نيو أورليانز لا تزال الى الآن مفلسة و خالية من سكانها الفقراء المشتتين في انحاء البلد. إن هذا الاخفاق بحد ذاته ينقض كل الوعود بأن هذه الإدارة ستوفر الأمن للبلد.

كانت هذه هي السنة التي شهدنا فيها كيف يمكن لمزيج قاتل من المديرين التنفيذيين متحجري الفؤاد والساسة الضعفاء العاجزين ان يقوّض قطاع التصنيع في أميركا. جنرال موتورز توشك على الإفلاس، ديترويت تغلق مصانعها وتسرح العمال جماعياً. الوظائف الجيدة التي توفر رعاية صحية ومعاشات تقاعد ورواتب معقولة ـ تتلاشى من البلد لتحل مكانها وظائف وول مارت التي لا توفر ضمانات اجتماعية ولا معاشات تقاعد ولا تدفع سوى رواتب زهيدة. من يدفع ثمن هذا كله؟ الطبقة الوسطى الأميركية التي راحت تتقلص بشكل مطرد مع ارتفاع الأسعار وركود الأجور في اقتصاد وول مارت.

هذه السنة التي تواصل فيها ارتفاع تكاليف العجرفة الامبريالية. فقد قتل إلى الآن في العراق أكثر من 2000 أميركي وأصيب آلاف آخرون بإعاقات مستديمة، وأنفقنا أكثر من 250 مليار دولار على حرب بنيت على ذرائع كاذبة ووعود كاذبة.

إن شجاعة جنودنا وإخلاصهم وتضحياتهم إدانة صارخة للزعماء الذين قادوهم بهذا الشكل الرديء. لكن وسط كل هذا الألم، هناك أمل. ونحن نعلم أن الصبح سيشرق لا محال بعد الليل الطويل، لكننا لا نرى أي أمل أو أي صبح مقبل من واشنطن. الأمل الجديد سوف يأتي من خارج هذه المؤسسة السياسية، بعيداً عن الفساد والمحسوبية والقسوة التي أصبحت الصبغة المميزة للزمرة التي تحكمنا من واشنطن.

خدمة «لوس انجلوس تايمز»

خاص لـ «البيان»

Email