أميركا ليست امبراطورية بوش ـ جو غالواي

أميركا ليست امبراطورية بوش

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوجد واضعو الدستور الأميركي نظاماً للحكومة مبنياً على المساءلات والتوازنات التي تصوروا إن من شأنها ان تحمي الشعب الحرّ من الانتهاكات لخصوصيتهم الفردية وممتلكاتهم وحريتهم على يد أي شخص أو مسؤول، خاصة اذا كان في منصب رسمي.

ولم يكن في نيتهم إيجاد رئاسة إمبراطورية تبلغ مكانة أسمى من فروع الحكومة التشريعية والقضائية، لأنهم كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالملوك والأباطرة الذين حكموا بالسلطة المطلقة في العالم القديم، وكانوا يدركون إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

لم يكونوا يريدون لأي من هذا ان يحدث، ولقد كتبوا دستوراً، وإعلان حقوق لصون الحصانات التي كانوا يعلمون إنها ضرورية لحماية حرية الأميركيين وسلامة الديمقراطية.

لقد أوجدوا نظام حكومة يقوم في جوهره على مبدأ إن للمواطنين حقوقاً وإن الرؤساء الذين ينتهكون هذه الحقوق يعرضون نفسهم للمساءلة. دعونا نراجع ما آلت إليه الأمور مع أفوق نجم سنة 2005 المظلمة.

الرئيس بوش يعترف أنه أصدر أوامر سرية للحكومة للتنصت على المواطنين الأميركيين، دون اللجوء الى الأساليب القانونية المعتمدة لفعل ذلك، وهو يصرح بأنه يملك الحق لفعل ذلك. من قال هذا؟ هو يقول هذا ونائبه ديك تشيني والمدعي العام ألبيرتو غونزاليس يقولان هذا أيضاً.

لكن بعض الأكاديميين القانونين يختلفون مع هذا الرأي ويجادلون بأن الرئيس خرق القانون الفيدرالي وجعل نفسه عرضة للمحاكمة بارتكاب جرائم وجنح كبيرة، ويقول هؤلاء ان الرئيس داس على الدستور في محاولة لتوسيع سلطات الفرع التنفيذي للحكومة وإدارة الحرب على الإرهاب.

هذا هو الرئيس نفسه، والإدارة نفسها، اللذان أعلنا تحت غطاء المبررات نفسها عن حقهم في احتجاز السجناء خارج نطاق النظام القضائي في سجون أجنبية سرية وحقهم في استخدام أساليب غير إنسانية في التحقيق مع هؤلاء السجناء في خرق واضح لمواثيق جنيف.

وبإصدار الأوامر لوكالة الأمن القومي بالتنصُّت على المكالمات الهاتفية ومراقبة البريد الالكتروني للمواطنين الأميركيين، اختار أعضاء هذه الإدارة عدم الاستفادة من محكمة فيدرالية سرية أنشئت قبل 30 عاماً لتزويد الحكومة بالوسائل اللازمة للتحري بصورة سرية حول أي شخص يعتقد أن له صلات بحكومات أو حركات أجنبية تهدد الولايات المتحدة.

ويقول أعضاء الإدارة إن الحصول على تفويض من هذه المحكمة يتطلب إجراءات تتطلب وقتاً وتبطئ العملية، مع ان المحكمة منحت مثل هذه التفويضات في أكثر من 17 ألفاً و400 حالة ولم ترفض طلب الحكومة سوى أربع مرات فقط.

ويقولون إن عليهم التحرك بسرعة أكبر، مع إن القانون يجيز لهم التنصّت لـ 72 ساعة قبل الحصول على تفويض المحكمة الذي يصدر عادة بشكل روتيني وسريع.

ويشير البعض إلى أن السبب الحقيقي وراء تعمُّد إدارة بوش إبقاء المحكمة خارج اللعبة هو أن بعض المعلومات التي تم بناء عليها التنصُّت على أشخاص معينين تم الحصول عليها أصلاً عن طريق التعذيب. وكانت المحكمة قد حذَّرت في وقت سابق بأنها لن تسمح باستخدام أية معلومات مستخلصة عبر أساليب غير قانونية أو غير شرعية لإساءة استخدام نظام المحاكم الأميركي.

وفي السابق، مرر الكونغرس قانون إنشاء محكمة مراقبة المعلومات الاستخبارات الأجنبية، لأن الرئيس ريتشارد نيكسون أخضع وكالات الاستخبارات وكل الأجهزة الحكومية لإرادته في ملاحقة أولئك الذين اعتبرهم هو أعداءه. وإذا كان اسمك على قائمة أعداء نيكسون، كان يتم التنصُّت على مكالماتك الهاتفية ومراقبة كل تحركاتك والتدقيق في سجلاتك الضريبية.

إنه لفرق شاسع جداً بين تجاهل حكم القانون لتعقب الأعداء الأجانب وتجاهل حكم القانون لتعقب ومعاقبة الأعداء المحليين، أي أولئك الأميركيين الذين يعارضون أهدافك لأسباب سياسية أو أساليب تتعلق بمبادئهم.

الرئيس ونائبه والمدعي العام يقولون ما معناه: ثقوا بنا، لن نستخدم سلطاتنا التي تتجاوز القانون ضد الأميركيين العاديين. كل ما نريده هو حمايتكم من وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية. ثقوا بنا، فنحن رجال شرفاء لا نريد شيئاً سوى حمايتكم.

هذا هراء. فهم يمتلكون الأدوات القانونية التي يحتاجها أي رئيس لحمايتنا. الكونغرس يصنع القوانين، والنظام القضائي يفسرها والرئيس وبقية الشعب يعيشون ويعملون وفق هذه القوانين.

الرئيس جورج بوش ليس إمبراطور أميركا، أو ملك الولايات الخمسين. وعليه، مثل أي واحد منا، أن يعمل وفق حكم القانون، إنه محكوم بالدستور وإعلان الحقوق. وفي النهاية هو يعمل لدينا.

وكما كتب بن فرانكلين قبل أكثر من قرنين: «أولئك الذين يتخلون عن الحريات الأساسية خلال سعيهم وراء أهداف أمنية صغيرة مؤقتة، لا يستحقون الحرية ولا يستحقون الأمن».

خدمة «لوس أنجلوس تايمز»

خاص لـ «البيان»

Email