هستيريا الحرب في أميركا ـ فيكتور ديفز هانسون

هستيريا الحرب في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدار تاريخها، لم تخض أميركا حرباً قط، إلا وأثارت الأنباء الواردة من ساحات المعارك عن مرحلة معينة موجة عنيفة من الاتهامات في الداخل والخارج.

وخلال الحرب الأهلية الأميركية، وبعد الأنباء عن المذابح في كولد هاربور وبيترسبيرغ في 1864، كان الاعتقاد السائد هو أن أبراهام لينكولن المضطرب لا يمكن أن يفوز بالانتخابات التالية، وراح الجنرال جورج مكليلان يؤكد للجماهير في الولايات الشمالية بأنه ليس هناك أمل يُرجى في تحقيق انتصار عسكري.

وفي نوفمبر 1950، فرّ الأميركيون جنوباً أمام تقدم الصينيين، وجزم معظم المراقبين بأننا خسرنا كوريا، قبل أن تنجح الهجمات المضادة غير المتوقعة التي شنّها الجنرال ماثيو ريدجواي في إنقاذ حكومة سيئول الربيع التالي.

وفي هذا السياق، يمكننا الاستفادة من ثلاثة دروس تاريخية على صلة بالاتهامات والاتهامات المضادة التي نشهدها اليوم حول العراق.

أولاً، إن كل حروبنا تقريباً ترافقت مع حالة هستيريا في الداخل. وكدنا ننسى هذا بعد انتصاراتنا الأسطورية الأخيرة الخاطفة في بنما، حرب الخليج الأولى، سيبيريا، أفغانستان، وأخيراً الإطاحة بصدام حسين خلال ثلاثة أسابيع.

ولكي نعرف حقيقة ما يجري عادة في الصراعات الأميركية، يكفي أن نتذكر ما قاله توماس باين في وصف من ساعدوا جورج واشنطن بأنهم «وطنيون حالمون» وإلقاء بعض الأميركيين اللوم على إدارة ماديسون في إحراق البريطانيين للبيت الأبيض عام 1814 والانتقادات اللاذعة للأسطول الأميركي الذي أخذ على حين غرّة في بيرل هاربور.

وكثيراً ما كانت رسوم الكاريكاتير تصوّر لينكولن في هيئة قرد أخرق.. وخلال نوبات الهستيريا التي أحاطت الحرب الكورية، وُصف جورج مارشال ـ الذي كان قد أشرف على الانتصار الأميركي العسكري في الحرب العالمية الثانية وتقديم العون لأوروبا الجائعة ـ بأنه «رأس الخونة» و«أكذوبة حيّة» من قبل السيناتور عن ولاية إنديانا وليام جينر.

وفي هذا السياق ليس هناك جديد في تأكيد السيناتور هاورد دين على استحالة كسب الحرب في العراق أو ادعاء جون كيري بأن جنودنا ضالعون في ترهيب العراقيين.

ثانياً، ليس هناك بالضرورة ارتباط بين أبناء الحرب الرهيبة أحياناً والنتيجة النهائية للحرب. والخسائر الفظيعة التي مُني بها جيش بوتوماك في 1864 وتقدم جيوش القيصر في الهجوم الألماني عام 1918 والمجزرة في أوكيناوا في مايو ويونيو 1945، كلها لم تمنع انتصارنا في النهاية.

ثالثاً، إن التاريخ الأميركي أميل لاحترام الذين صمدوا أكثر بكثير من احترامه لأولئك الذين زعموا بأن بلدهم غير قادر على الانتصار. ومعظم الناس اليوم يبجلون لينكولن ومارشال مع ويلسون وروزفيلت وترومان، الذين تحمّلوا إساءات وافتراءات فظيعة. وعندما كانت الأمور تتحسن في نهاية المطاف، لم يعد أحد يذكر أولئك الذين كانوا يطبلون ويزمرون للأنباء المتشائمة.

وعلى الأرجح، فإن الأمر نفسه سينسحب على العراق. فالانتخابات العراقية سوف تثبت أنها الأنجح إلى الآن. والجيش العراقي يتعاظم قوة ويزداد كفاءة شهراً بعد شهر. ووزارة الدفاع الأميركية لم تعد في وارد الحديث عن الحاجة لمزيد من الجنود، بل ترى ان تطور الأحداث على الأرض سيسمح بتنفيذ انسحاب على مراحل.

وبحسب الجنرال ديك لينش، الناطق باسم القوة متعددة الجنسيات في العراق، فإن وتيرة هجمات المقاومة آخذة بالتراجع منذ أكتوبر الماضي. والشارع العربي أصبح يضج بالحديث عن الديمقراطية وفي استطلاع أجرته مجلة «تايم» مع شبكة «إن بي سي» اخيراً قال 70 بالمئة من العراقيين «إن حياتهم تسير على ما يرام الآن.

واستجابة لكل هذا سوف يقوم زعماء الحزب الديمقراطي قريباً بإسكات جون مون ونانسي بيلوسي ومن يطبّل لهما. ويمكننا أن نتوقع قيام السيناتور هاورد دين بالتنحي بهدوء عن زعامة الحزب الديمقراطي.

وأولئك البائسون الذين ينذرون بالشؤم على الدوام ويرون الأمور من منظار فيتنام مثل جون كيري لن يرشحهم أحد للانتخابات الرئاسية مرة أخرى.

وعلى الجناح اليميني، سوف يزداد صمت الواقعيين والانعزاليين على حد سواء، ومصطلح «المحافظين الجدد» لن يعود شتيمة بل سيعبّر مرة أخرى عن قطاع إنساني قدم أخيراً للشرق الأوسط بديلاً ديمقراطياً للأوتوقراطية أو الثيوقراطية.

بعض الأميركيين لا يرون أياً من هذه الإيجابيات إلى الآن، لأننا ما زلنا في مخاض الهستيريا، لكن مع تحسن الظروف في العراق، وتلاشي المقارنات مع خسارتنا الوحيدة في فيتنام، سوف يصمت المنتقدون. والسياسيون الماكرون الذين يلعبون على الحبلين من أمثال هيلاري كلينتون سوف ينفشون ريشهم بدلاً من التعبير عن الازدواجية، حول تصويتهم السابق على قرار الإطاحة بصدّام.

وخلاصة القول إن لعبة تبادل الاتهامات ليست جديدة على الجبهة الداخلية نافدة الصبر خلال الحروب الأميركية، وسرعان ما يطويها النسيان على الأغلب عندما ننتصر في نهاية المطاف. والعراق ليس استثناء ولن يكون كذلك.

خدمة «لوس أنجلوس تايمز»

خاص لـ «البيان»

Email