خط مباشر

السودان الجديد «1»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سياق دفاعهم عن «الحركة الشعبية لتحرير السودان» يعمد بعض المثقفين الجنوبيين الذين ينشرون طروحاتهم في صحف عربية أو من على مواقع في الانترنت إلى استخدام أسلوب «البروباغندا» عوضاً عن المعالجة الموضوعية المتزنة وكأنهم يفترضون شيئاً من السذاجة لدى القراء الشماليين. بل وفي كثير من الأحيان يذهبون إلى حد تحريف أو تزوير وقائع التاريخ القريب.

من هؤلاء مدنيج ودامنيل الذي نشرت له مقالة من ثلاثة أجزاء محورها الأساسي أن «الحركة الشعبية» الجنوبية ليست في الحقيقة جنوبية بالمعنى السياسي وإنما هي على حد قوله تنظيم قومي للجنوبيين والشماليين على حد سواء يهدف إلى إقامة «السودان الجديد» ككيان وحدوي للسودانيين قاطبة.

ومن منطلق أنني شخصياً شمالي ينتمي إلى الأغلبية الساحقة ذات الثقافة الإسلامية العربية فإنني أبدأ بتساؤل مبدئي: ما هو تعريف «السودان الجديد» على وجه التحديد والدقة؟

على الرغم من ضخامة هذا الاسم الرنان إلا أننا لا نقف على تعريف مفصل وقاطع الوضوح له. فقد ظل قادة الحركة الجنوبية حريصين على الدوام على إحاطة هذا الاسم بغير قليل من الغموض العمد وكأن له باطناً يختلف عن ظاهره على غرار شعارات الحركة الماسونية اليهودية.

يقول قادة الحركة الجنوبية إن «السودان الجديد» هو نقيض «السودان القديم»، لكن هذا التعريف لا يعني شيئاً إلا اذا عرفنا أولاً ما هو تعريف «السودان القديم» في نظر الحركة. هنا نجد ثلاث اجابات تختلف عن بعضها البعض الى درجة التناقض.

فمن ناحية، ووفقاً لقيادات الحركة الجنوبية، يمكن ان يكون السودان القديم هو «سودان نظام الانقاذ»، ومن ناحية ثانية يمكن ان يكون سودان الحكومات «الشمالية» المتعاقبة على الحكم لمدى نصف قرن حتى الآن ـ أي منذ الاستقلال في عام 1956، ومن ناحية ثالثة فإن السودان القديم يمكن ان يكون السودان الشمالي العربي الإسلامي بأكمله بما في ذلك الحكومات والجماهير معاً.

ذات مرة، وفي سياق محاضرة ألقاها على جمع من السودانيين في القاهرة قال زعيم الحركة الراحل جون قرنق ما نصه: «نحن نعتقد ان الحكومات التي تعاقبت على الحكم في الخرطوم منذ عام 1956 أقامت وحدة البلاد وتنميتها على أسس ضيقة .

وعلى تعريف منقوص للسودان استبعد حقائق أساسية من واقع بلادنا، وهذا الاستبعاد هو الذي تسبب في الحرب. فالسودان كما نعلم، ومنذ عام 1956، يقوم على شوفينية إثنية ودينية، فظاهرة الجبهة الإسلامية ليست منقطعة عن ما سبقها».

ولنتساءل:

هل هذه إدانة للشعب الشمالي بأسره أم أيضاً إدانة تقتصر فقط على القيادات السياسية الشمالية؟

فلنعط قائد الحركة الراحل فائدة الشك فنقول إنه لم يستقصد سوى القادة الشماليين وحدهم. وإذن يبرز سؤال:

إذا كان هذا هو المقصود فكيف تفسر الحركة دخولها في تحالف باسم «التجمع» مع المهدي والميرغني ـ أصحاب بعض الحكومات التي تعاقبت على السلطة؟

Email