الصحافة اليمنية.. قانون جديد وقمع مستمر ـ عبد الباري طاهر

الصحافة اليمنية.. قانون جديد وقمع مستمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

حملة القمع المنظمة والمنفلتة ضد الحريات الصحافية والرأي والتعبير تثير دهشة المراقبين للشأن اليمني.

قمع الحريات الصحافية في اليمن يتخذ أشكالاً وأساليب شتى، فهناك التحقيقات في نيابة الصحافة، وهي تحقيقات تبدأ ولا تنتهي. فليست هناك صحيفة حزبية معارضة أو أهلية مستقلة إلا وطالها قمع التحقيقات المتكررة والمفتوحة كأبواب «وإن منكم إلا واردها» ويكون المال غالباً القضاء.

وهو أمر يتصف في عمومه بغياب الكفاءة والنزاهة والاستقلال. وأهم ما يميزه ضعف التعاطي مع قضايا من نوع حرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية الجديدة في الحياة اليمنية وبالأخص في القضاء.

خلال زمن قياسي جرى الحكم بإغلاق ثلاث صحف هي «التجمع» الناطقة باسم التجمع الوحدوي. وصحيفة «الأسبوع» و«الراصد» الأهليتان المستقلتان. كما جرى تغريم الثوري ورئيس تحريرها واثنان من كتابها مبالغ كبيرة مع المنع من الكتابة. وقبلها منعت الشورى والحرية وسجن رئيس تحرير الشورى لأكثر من ستة أشهر..

والقمع في اليمن يبدأ في تخلف التشريع وجلوزته، فهناك قانون الصحافة يكفي «لو نفذ حرفياً» لوأد الحريات الصحافية في الجزيرة والخليج وأبعد من ذلك. وهو، أي قانون الصحافة، مفتوح على القوانين العقابية الأخرى التي يحكم بعضها بالإعدام كقانون العقوبات والوثائق والمعلومات وغيرهما.

وبسبب من ضعف إيمان الحكومة بالقانون على ما فيه من تخلف وقمع فإنها تفسح السبيل أو تتغاضى عن أعمال إرهابية بامتياز في قمع الرأي وترويع المبدعين والكتاب والصحافيين، فقد طال الضرب بالمعنى الحرفي للكلمة العشرات منهم دكاترة جامعة وأدباء ومثقفون وصحافيون.

وهذه الممارسة القامعة شائعة وآخر ضحاياها الزميلان: نبيل سبيع وعرفات مدابش. فقد تعرض مراسلو ومصورو الجزيرة والعربية للضرب من قبل جنود الأمن لتغطيتهم احتجاجات سلمية لعمال مضربين. وكانت إصابات مراسل الجزيرة خطيرة.

ويمتد العنف وأعمال البلطجة إلى شخصيات رئيس تحرير «الوسط» الذي ضرب وهدد بالتصفية ومر الأمر بسلام وجرى تهديد صحيفة الأيام ومراسل «البيان» الإماراتية.

كما تلقى الصحافي في «النهار» الأهلية المستقلة والتي تحاكم في قضايا متعددة هاجع الجحافي ظرفاً ملغوماً انفجر في وجهه نهاراً، ولم يصل الأمن إلى شيء!!

منذ العام 94 أي بعد نهايات الحرب لم تنشغل الدولة بشيء كانشغالها بإعادة صياغة قانون الصحافة. فقد سنّت خمسة مشاريع جديدة لا هم لها إلا مصادرة الحريات الصحافية الواعدة وقمع الرأي الآخر.

ورغم أن القانون 25 لسنة 90 يكفي لوأد الحريات الصحافية كاملاً شاملاً، إلا أن نشوة الانتصار في الحرب قد فتحت شهية الحكم للعودة إلى النظام الشمولي في شمال اليمن قبل الوحدة ولا يزال هذا الحلم ـ كابوس ـ يعشعش في المخيلة.

والأخطر أن الحكم قد أصبح بين مطرقة رغبته الجامحة للعودة إلى ما قبل الوحدة ويغذي الفساد والاستبداد هذا النزوع المحموم، وبين سندان استحالة العودة بالأوضاع إلى سالف العهد. فلا المزاج الشعبي العام ولا الوضع الدولي ولا الضغوط المتزايدة تسمح بذلك. ولعل هذا سر المراوحة بين الإلحاح الممض على سن قانون صحافة عقابي مكشوف وبين التردد في إقراره على مدى أكثر من عشرة أعوام.

المرعب أن الدولة التي تعجز عن سن قانون ينظم حمل السلاح ويمنع الاتجار به تستطيع أن تصوغ في زمن قياسي أكثر من مشروع لوأد حرية الرأي والتعبير.

ولا يردعها عن إقرار المشروع القمعي إلا معارضة الصحافيين واهتمام الرأي العام الدولي والمنظمات الدولية، وبالأخص الاتحاد الدولي للصحافيين ولجنة الدفاع عن الحريات في أميركا والمادة 19 في لندن.

وحالياً رمت الدولة بمشروع قانون قديم جديد يتجاوز قمع الحريات الصحافية إلى ترسيم النقابة وإلحاقها بوزارة الإعلام.

وفي اجتماع حاشد دعت إليه قيادة النقابة الصحافية رفض الصحافيون بالإجماع مشروع القانون. ودعا بعضهم إلى إلغاء وزارة الإعلام.

ولكن المعركة بين الاستبداد والفساد وحرية الصحافة تظل مفتوحة، وهي الأكثر سخونة في المنطقة كلها.

كاتب يمني

Email