سمعة مصر

سمعة مصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما عاد أحد يصدق أو يتقبل عقله القول بأن فيلماً سينمائياً مهما بلغ من الاتقان أعلاه ومن التأثير مداه يكون قادراً على تلويث أو تشويه سمعة وطن ما. فما الحال اذا كان هذا الوطن مرادفا لحضارة انسانية ممتدة في الأزمان القديمة والحديثة ومؤسسة للفكر الإنساني على مر العصور. هل هذا معقول ونحن نعيش في عالم حولته ثورة الاتصالات والتكنولوجيا الى حارة صغيرة مفتوحة على مصراعيها للبعيد والقريب.

لم نسمع أو نقرأ لأحد في الولايات المتحدة الأميركية ـ على سبيل المثال ـ أن عشرات بل مئات الأفلام الأميركية التي شاهدها العالم أجمع وتصور واقع الحياة هناك بقسوتها وعنفها وشراستها شوهت سمعة أميركا وحولت مدنها وشوارعها الى أوكار للإرهاب والبلطجة ومرتع لأنشطة جماعات الإجرام والعنف وعصابات مافيا المخدرات والسلاح.

ولو كان الأمر كذلك لما أصبحت الولايات المتحدة القوة المهيمنة على العالم والأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا والتي يتدفق اليها أصحاب رؤوس الأموال من كل صوب وحدب ويحلم بالسفر اليها الملايين. ولم يقل أحد أن «سمعة أميركا» تأثرت وتشوهت وتلوثت بسبب فيلم أو عشرة أفلام سينمائية.

أقول ذلك لأن بعض صغار العقول وضعاف النفوس من أشباه المفكرين وأنصاف النقاد ومرتزقة السينما هاجموا فيلماً سينمائياً للمخرجة العربية اللبنانية جوسلين صعب تم عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي في الأسبوع الماضي وانبرت أقلامهم للدفاع عن «سمعة مصر» ـ يا حرام ـ التي شوهها فيلم «دنيا» وهذا هو اسم الفيلم ـ لأنه أساء لمصر والمصريين لأنه يجسد واقعا «مسكوتاً عنه» ويتعرض لقضية صادمة للمشاعر وإشكالية وهي ختان البنات ويركز على الأحياء العشوائية الأكثر فقرا في مصر وأن مخرجته لبنانية وتصنع فيلما عن مصر .. يا خبر أبيض .. إلحق يا جدع !

كنا نظن أن حكاية «سمعة مصر» اياها قد اندثرت وذهبت الى غير رجعة مع من أطلقوها في سبعينات القرن الماضي من دعاة الانعزالية والانكفاء والانبطاح والابتعاد عن كل ما هو عربي لأن «مصر أولا وفوق كل شيء» ومحاولة اللحاق بالقطار الأميركي السريع بعد أن أصبحت 99 في المئة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط في يد أميركا ..!

مصر واحة الحرية والابداع انصهر في نسيجها الفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي المبدعون والرواد من أبنائها العرب من أمثال يعقوب صنوع وآل تقلا وزيدان والريحاني وغيرهم منذ منتصف القرن الثامن عشر هرباً من الظلم والبطش العثماني وعاشوا فيها وشربوا من نيلها وساهموا في تنويرها واشعاعها لا يؤثر في سمعتها فيلم سينمائي كما يتصور الانعزاليون الجدد .

الأوطان أكبر من مجرد وجهة نظر في عمل سينمائي أو مقال صحافي أو انتقاد لواقع سياسات أو شخصية مسؤول أو رئيس .. فقليلاً من التعقل والرشاد ورفقا بالأوطان ..

Email