أبجديات

المشكلات ليست صناعة إعلامية!

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما كان الجدل محتدماً جداً ذات يوم حول إشكالية التركيبة السكانية في الإمارات، وما سوف تقود إليه من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة، انبرى أحد كبار المسؤولين في الإمارات ليؤكد عدم وجود خلل أو أزمة سكانية في الإمارات، وأن كل ما في المسألة «كم واحد هندي ـ على حد تعبيره ـ نستطيع طردهم متى شئنا» وأنهى المسألة بأن وضع نقطة في آخر السطر!

ثم احتدم النقاش حول البطالة، فانبرى مسؤول كبير آخر ليؤكد أن الإمارات لا تعاني من البطالة على الإطلاق، لدينا مشكلات، بل وأزمات خطيرة، شأن أي مجتمع إنساني آخر على وجه الكرة الأرضية، فنحن لا نعيش في الجنة، ولا نسكن مدينة افلاطون المثالية، وإنما نحن نعيش في مجتمع يعج بملايين البشر.

جزء بسيط منهم من صلب هذه الأرض، والجزء الأكبر جاءنا من خارج المناخ، جاءنا لظروف كثيرة، إما لأننا احتجناه فاستقدمناه، وإما احتاجنا هو فجاءنا ساعياً من أقصى أركان الدنيا، هذه الملايين البشرية لا يمكنها أن تلتقي في مكان ولا تؤثر فيه، أو لا ينتج عن وجودها مشكلات وأمراض وتجاوزات.. إذن فالأزمات في هذه الحالة نتاج طبيعي لكل ما سبق!

وعلينا فالتركيبة السكانية بكل أزماتها واختناقاتها وتأثيراتها واضحة، ونكاد نختنق بآثارها، بل نكاد نندثر بسببها. لقد تحولنا إلى ما لا يزيد على 15% من اعداد وطن نحن مواطنوه، فهل يصر ذلك المسؤول على انه لا وجود لمشكلة تركيبة سكانية.. إذا أصر فلابد أنه يعيش في المريخ إذن!

والبطالة موجودة، وملفات ودراسات «تنمية» تقول بوجود عشرات الألوف منهم، فإذا قلنا إن «تنمية» تبالغ فإنها بالتأكيد لا تكذب، فإن لم يكن عشرات الألوف فعلى الأقل يوجد ألوف أو مئات من الإماراتيين عاطلون، وهؤلاء يحملون شهادات من الأول الابتدائي وحتى الدكتوراه ولكل واحد منهم ـ حتى حامل الأول الابتدائي ـ حق في أن يتوظف في بلده، طالما يحمل جنسيتها ويعيش مواطناً كامل المواطنة على ترابها.

وهو أولى بالوظيفة، صغرت أم كبرت، من الغريب، أي غريب، ذلك أن هذا المواطن العاطل عن العمل هو بلا شك إنسان اعتدي على وظيفته بأن أعطيت لشخص آخر جئنا به من أقصى أركان الدنيا لنمنحه حق الاستقرار والعمل وحرمنا منها ابن البلد.. لماذا؟

لماذا يأتي أصحاب المنشآت الخاصة وحتى العامة بصينيين وبنغاليين و.. ليعملوا في وظائف دنيا مثلاً، في حين أن لدينا من يمكن أن يشغل هذا المستوى من الوظائف.. من الشباب الصغار الذين تركوا مدارسهم واكتفوا بمستوى تعليم متدن لأسباب اجتماعية واقتصادية وأسرية مختلفة؟

هؤلاء تحولوا إلى أحداث ومشاغبين يزعجون أمن البلد واستقراره، والأولى احتواؤهم وتأهيلهم وإيكال الأعمال الصغيرة إليهم بدلاً من استقدام عمالة صينية أو هندية أو بنغالية لتؤديها، مثل العمل في محلات السوبرماركت الكبيرة ومحطات تعبئة الوقود والمصانع المختلفة، فهذه العمالة «المواطنة» لن تكلف رجال الأعمال شيئاً، لا تذاكر ولا تأشيرات ولا ضمان صحي ولا ضمان عمالة وعمال ولا أي شيء.. لكنها ستحل جزءاً من مشكلة البطالة وجزءاً من المشكلة الأمنية!

sultan@dmi.gov.ae

Email