أين يبحر المركب العراقي

أين يبحر المركب العراقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف يبدو المشهد العراقي قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات التشريعية القادمة التي تشكل محطة أساسية في العملية السياسية والامتحان الأول لمدى نجاح مؤتمر الوفاق الوطني.

المؤتمر الذي عملت له واحتضنته واستضافته جامعة الدول العربية بعد تبلور ولو متأخر لحالة من التوافق العربي حول الانخراط في المسألة العراقية بغية العمل على إنقاذ العراق. توافق نرجو أن يستمر ويزداد فاعلية.

ـــ أهم ما في مؤتمر الوفاق الوطني انعقاده إذ شكل ذلك بحد ذاته كسراً لحاجز نفسي مهم رغم الاشتباكات والتوترات وبعض المماحكات التي شهدها المؤتمر والتي تبقى ظاهرة طبيعية في إقامة الاتصال الأول بين مختلف فرقاء النزاع في عملية إدارة وتسوية الخلافات.

ـــ من أهم إيجابيات البيان الصياغة المرنة وبعض الالتباس المقصود أحياناً من جهة والوضوح في التركيز على ثوابت معينة مطمئنة للجميع ولغة جديدة تعكس الاعتراف بحدوث انتقال إلى عراق آخر، جديد، يبقى على العراقيين تحديد ملامحه من جهة أخرى.

ـــ من إيجابيات البيان الاتفاق في المؤتمر أيضاً على إجراءات لبناء الثقة. إجراءات تقوم في حدها الأدنى على تبريد الأجواء وإقامة هدنة على الأرض قدر الإمكان إلى جانب إقامة هدنة سياسية تستدعي وقف التصعيد المتبادل تحت عنوان تنازع الشرعيات وصراعها. النجاح في الهدنة هو الامتحان الأساسي لانطلاق عملية الوفاق الوطني في العراق.

ـــ يستدعي ذلك أيضاً الأخذ بعين الاعتبار أن هنالك حالة إرهابية تريد تفجير الموقف لأنها ضد »السياسة« بالمطلق وبالتالي ضد قيام دولة عراقية بل تريد العراق ساحة ومنصة انطلاق لحروبها.

هذه الحالة تقوى وتضعف بقدر ما يكون هنالك انسداد في الأفق السياسي أو بداية الانخراط في العملية السياسية يستطيع أن يعزل هذه الحالة ويحاصرها دون أن يلغيها من البداية.

ـــ يحاصر الإرهاب بقدر ما يكون هنالك اعتراف ولو ضمني أو لنقل واقعي بأن المقاومة تختلف كلياً عن الإرهاب ليس فقط بطبيعة نشاطاتها على الأرض بل أيضاً بأهدافها السياسية، وبطبيعتها فهي تبقى حالة مستعدة للانخراط في العملية السياسية إذا ما تجاوب المسؤولون عن هذه العملية مع بعض الشروط المطمئنة والمشروعة للمقاومة.

هنالك جملة من المؤشرات الإيجابية، نقول ذلك مع بعض التحفظ حتى تستقر هذه المؤشرات، منها القرار الأميركي بالحوار مع إيران حول العراق، من مفارقات الثنائية الأميركية الإيرانية ان هنالك صداماً استراتيجياً اقليمياً شبه شامل على مستوى الخطاب والخطوط العامة للسياسات بين الطرفين.

في حين ان هنالك توافقات عديدة صامتة بين الطرفين في العراق، يحاول كل منهما الاستفادة منها لتعزيز سياسته العراقية وفي الوقت ذاته للتأثير في سياسات الآخر في إطار لعبة الصراع المفتوح بينهما خارج العراق.

من هذه المؤشرات أيضاً بداية حوار مازال خجولاً بين إيران والعرب حول العراق اذا يدرك كل طرف حاجته للآخر في تأسيس الاستقرار العراقي الذي يحمل غيابه أو تغييبه الكلي خطراً على الجميع.

وهنالك أيضاً حالة الارتباك الأميركية المتزايدة حول السياسة العراقية أو تحديداً حول إدارة الملف العراقي في ظل بروز موقف لمجلس شيوخ أميركي لم يعد يريد إعطاء شيك على بياض للإدارة، ويطالب بمراقبة سياستها العراقية بشكل دوري، وفي ظل بداية تحول في المزاج الشعبي الأميركي نحو الانعزالية وهي ظاهرة قديمة وشبه دورية في السياسة الأميركية.

من أهم مظاهر الارتباك الأميركي ان الجمهوريين غير قادرين على تبرير الحرب على العراق وان الديمقراطيين غير قادرين على المطالبة بالانسحاب العسكري الفوري من العراق، فأميركا تبدو وكأنها جزء وجزء من الحل في الوقت ذاته.

ومن المؤشرات الايجابية أيضاً الإعلان عن انسحاب عسكري تدريجي أميركي من العراق مع »عرقنة« تدريجية للأمن في المدن العراقية، الى جانب بالطبع التغيير الحاصل وبتشجيع وطمأنة عربية وبعضها عراقية وأيضاً دولية لانخراط الممتنعين من الجماعات السنية المختلفة في العملية السياسية من خلال الانتخابات المقبلة.

كلها تغيرات قد تخلق رياحاً تدفع بالمركب العراقي نحو بر الأمان لأن غرق المركب لن يدفع ثمنه ركابه العراقيون فقط بل أيضاً جيرانهم والمنطقة كلها.

٭ كاتب لبناني

Email