تحديات ورهانات الصحافة الإلكترونية العربية

تحديات ورهانات الصحافة الإلكترونية العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يواجه الإعلام العربي في الألفية الثالثة تحديات كبيرة جدا من أهمها التأقلم والتكيف مع الثورة المعلوماتية والثورة الرقمية وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات وما تتطلبه هذه التطورات الجديدة من مهارات ومؤهلات وما تفرضه من رهانات وتحديات يجب على القائم بالاتصال إتقانها والتحكم فيها واستغلالها والتفاعل معها على أحسن وجه من أجل البقاء والمنافسة وإيجاد موقع في الخريطة الإعلامية المحلية والدولية.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا إلى أي مدى استطاعت المؤسسات الإعلامية العربية أن تستفيد من التكنولوجيا الجديدة لتستغلها على أحسن وجه لتحسين وتطوير أدائها وخدمة الفرد والمجتمع في الوطن العربي والتصدي للصور النمطية والتشويه والتضليل الذي يتعرض له العربي والمسلم والأمة العربية والإسلامية برمتها.

وهل استطاعت الصحافة العربية تسخير التكنولوجيا الجديدة لاعتماد طرق جديدة في الشفافية والديمقراطية الإعلامية والسياسية من أجل الصالح العام، ومن أجل الرقي والتقدم وتوفير الفرص المختلفة والعديدة للفرد في الوطن العربي للنقاش والحوار والتفاهم وإبداء الرأي والاختلاف في الرأي من أجل تكوين رأيا عاما مستنيرا قويا فاعلا يسهم في صناعة القرار السليم والرشيد.

تمثل ظاهرة صحافة الانترنت أحد أبرز المستجدات التي أحدثت ثورة في عالم الإعلام والاتصال في السنوات القليلة الماضية وهي ظاهرة أفرزت العديد من التحولات والتغييرات في الإعلام بمفهومه التقليدي سواء من حيث المضامين أو المفاهيم أو الأشكال أو طرق تناول المواضيع والتعامل مع الجماهير المختلفة.

ورغم كل هذا، ورغم التزايد والنمو السريع لعدد الصحف العربية المتوافر على الانترنت نلاحظ ضعفها وبعدها عن المفهوم العلمي المتكامل والتفاعلي للصحافة الإلكترونية. هذه النقائص ونقاط الضعف على مستوى استيعاب واستغلال صحافة الانترنت من قبل المؤسسات الإعلامية العربية تطرح عدة تساؤلات وتحديات من أهمها: نوع وطبيعة العلاقة بين الوسائل التقليدية والوسائل الإلكترونية، فرص التكامل، المضامين وأساليب المعالجة والإخراج، القضايا التسويقية والإعلانية، طبيعة التشريعات والقوانين والأسس التنظيمية،

وكذلك المواثيق الأخلاقية ومواثيق الشرف التي يجب أن يعتمدها ويعمل وفقها كل من القائم بالاتصال والمؤسسة الإعلامية. إشكاليات جديدة وقضايا مستجدة يجب معالجتها والنظر فيها ومناقشتها من أجل الاستفادة والاستغلال الأمثل لصحافة الانترنت.

والكلام عن صحافة الانترنت يقودنا للكلام عن ضعف خدمات الانترنت في الوطن العربي بسبب تدني البنية التحتية التكنولوجيا حيث نلاحظ أن الانتشار والاستخدام أقل بكثير من المعدلات العالمية، أضف إلى ذلك النسبة الكبيرة من الأميين في الوطن العربي والتي تتجاوز الثمانين مليوناً. فصحافة الانترنت بمفهومها العلمي فرضت وما زالت تفرض نفسها على المؤسسة والقائم بالاتصال والقارئ والمجتمع ككل ولذا يجب على المؤسسة الإعلامية في الوطن العربي أن تتبناها وتؤمن بها وتمارسها في الميدان وإلا فستجد نفسها خارج المنافسة وخارج الفضاء الإعلامي محليا وإقليميا وعالميا.

فالصحافة في عصر الانترنت أصبحت تستخدم أشكالا متنوعة من الرسائل الإعلامية التي لم تعد تعتمد على النصوص فقط وإنما أصبحت تتضمن الصور والفيديو والصوت كما طرأ تطور ملحوظ على الجمهور الذي أصبح بإمكانه أن يتفاعل مع الرسالة ويختار ما يريد وأصبح مبادرا ومتفاعلا مع مصدر الرسالة، الأمر الذي يجعل منه مستهلكا إيجابيا، مبادرا وليس كما كان في السابق متلق سلبي.

صحافة الانترنت تفرض على المنظومة الإعلامية في الوطن العربي نمطا جديدا في التفكير والتعامل مع الحدث والخبر والمعلومة والتعامل مع المصدر ومع الجمهور. فالمهم في العصر الرقمي هو طريقة معالجة المعلومة وتوظيفها بطريقة علمية ومنهجية لإيصال رسالة تخدم الفرد والمجتمع وتخدم العلم والمعرفة سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. فالحوار بين الحضارات والثقافات يتطلب قدرة ومهارة كبيرة في إيصال المعلومة ووضعها في إطارها الصحيح. فصحافة الانترنت بحاجة إلى صحافيين يتمتعون بمهارات جديدة ومفاهيم جديدة في المحتوى والشكل والإخراج والتعامل مع القارئ.

وهذا يعني أن المؤسسات الصحافية وأقسام الصحافة والإعلام في الوطن العربي بحاجة إلى وضع خطط واستراتيجيات للتعليم والتدريب والتأهيل بهدف الاستغلال الأمثل للتكنولوجيا الجديدة للاتصال والتعامل الإيجابي والفعال مع المفاهيم الجديدة لصحافة الانترنت. فالصحافة الإلكترونية ليست مجرد وضع الجريدة الورقية على الشبكة العنكبوتية وإنما هي تقنيات وممارسات أخرى عديدة تجمع الصوت والصورة والحركية والتفاعلية...الخ.

وهذا يعني أن القائم بالاتصال في الصحيفة الإلكترونية يحتاج إلى مهارات ومؤهلات جديدة تسمح له بالاستغلال الأمثل لكل ما تحتوي عليه تكنولوجيا الصحافة الإلكترونية من تقنيات وخدمات وتسهيلات للمرسل من جهة وللقارئ والمستهلك من جهة أخرى. ما نلاحظه في الساحة الصحافية العربية هو الضعف الكبير في استغلال الإمكانيات والوسائل العديدة للصحافة الإلكترونية، فمعظم ما هو موجود على الشبكة ما هو إلا مجرد وضع النسخة الورقية على الشبكة.

فالإعلان الإلكتروني ما زال ضعيفاً جداً والصحف الإلكترونية العربية ما زالت ضعيفة في استغلال التقنيات الإلكترونية الجديدة في مجال الوصول للقارئ من خلال التقنيات المختلفة التي توفرها الشبكة للمؤسسة الإعلامية. كما نلاحظ من جهة أخرى عدم تفاعل أقسام الصحافة والإعلام والاتصال الجماهيري بطريقة جيدة وفعالة مع التكنولوجيا الجديدة، حيث الاعتماد على مناهج دراسية يعود تاريخها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وما زال الصحافي العربي يفكر بمنطق وأسلوب الصحافة الورقية حيث أنه ما زال يعتمد على الطرق التقليدية في جمع المعلومات والاتصال بمصادر الأخبار وكتابة المادة الإعلامية. فالصحافة الإلكترونية ما زال ينظر لها من طرف نسبة كبيرة من القائمين بالاتصال ومن المشرفين على الصحف العربية بأنها نسخة طبق الأصل للنسخة الورقية تقدم للقارئ على شبكة الانترنت الذي يتعذر عليه الحصول على النسخة الورقية أو الذي يفضل الإبحار في الشبكة لقراءة الجريدة.

هذا الموقف لا يخدم صحافة الانترنت على الإطلاق لأن المبدأ والأسلوب والطريقة والهدف يختلف في الجريدة التقليدية عنه في الجريدة الإلكترونية. هل بإمكان الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي التخلص من القيود والضغوط والمشكلات التي عانت منها الصحافة التقليدية خلال العقود العديدة الماضية أم أن الأنظمة العربية ما زالت وستبقى تتحكم في خيوط العملية الإعلامية سواء كانت ورقية أم إلكترونية أم غير ذلك. أم أن الطرق الجديدة أي الإلكترونية ستسمح للمؤسسة الإعلامية وللقائم بالاتصال التخلص شيئا فشيئا من الرقابة والقيود والضغوط؟

إن مفهوم الصحافة الإلكترونية لا يقتصر على تبني التكنولوجيا الرقمية والتجهيزات المتطورة، بل هو نمط جديد يقوم على الشفافية والديمقراطية في تناول الخبر وإيصاله للجمهور من خلال الاستخدام والاستغلال الأمثل للتقنيات الرقمية المختلفة. هذا التحول الجديد يطرح تحديات عديدة أمام الصحافة العربية، لكن في نفس الوقت يوفر لها إمكانيات هائلة لتحقيق الرسالة الملتزمة الهادفة وللوصول العقلاني والرشيد للقارئ العربي والأجنبي من أجل إبراز الحقيقة وتقديمها للرأي العام محليا وعالميا،

ومحاربة بذلك كل أشكال التشويه والتضليل والتلاعب بالعقول والعواطف. هل تتوفر الجريدة العربية على شروط كسب رهانات وتحديات الثورة الرقمية؟ وهل الشارع العربي جاهز للتفاعل بطريقة إيجابية، رشيدة وفعالة مع الصحافة الإلكترونية والثورة المعلوماتية؟ أسئلة جوهرية يتحتم طرحها والنظر فيها بإمعان إذا أردنا كسب الرهان وكسب أهم معركة، معركة الكلمة والصورة.

أستاذ الإعلام ـــ جامعة الشارقة

Email