الطريق للخروج من العراق

الطريق للخروج من العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

طالعتنا الجرائد في اليومين الأخيرين بقرار الحكومة الأميركية بالانسحاب التدريجي من العراق. فقد عزمت الولايات المتحدة الأميركية تقليل عدد جنودها في العراق وسحب ما يقارب الخمسين ألف جندي من أصل 150 ألفاً مع بدايات سنة 2006. صاحب هذا القرار ردود فعل دولية مختلفة، منهم من أيد الانسحاب ومنهم من تخوف من نتائجه.

أحد الاستفتاءات الحديثة حول الموضوع أظهر أن حوالي نصف الشعب الأميركي يفضلون خروج بلدهم الفوري من العراق، وتقريبا 70% من صناع القرار العراقيين في الحكومة الجديدة يريدون خروج القوات الأميركية على الفور.

استفتاء آخر حديث أظهر انه بالرغم من أن نسبة كبيرة من الشعب الأميركي يعتقدون أن الحرب كانت نكبة بالنسبة لهم إلا أن عدداً لا يستهان به منهم يعتقدون أن الخروج من العراق يجب أن ينظر إليه بتأنٍ وحذر. البعض منهم يشعر بالمسؤولية تجاه العراق لأن بلدهم ساهم في تدميرها، والبعض الآخر منهم يعتقد أن خروج القوات الأميركية سيؤدي إلى حرب أهلية، وقلق أمني لكل من العراق والولايات المتحدة على حد سواء.

هذه كلها مخاوف لها مصداقيتها وشرعيتها، حيث إن الاحتلال الأميركي لم يحاول خلق ترابط وتوحد بين الطوائف العراقية المختلفة، ولكنه خدمة لمصالحه اتبع السياسة البريطانية القديمة القائمة على فكرة فرق تسد، وأدى إلى خلق وتعزيز الخلافات الطائفية بين سنة وشيعة أو عرب وأكراد أو غيره.

لقد عمل الاحتلال الأميركي منذ البداية على إقصاء كل من هو بعثي أو ينتمي من قريب أو بعيد لحزب البعث، ثم عاد وحاول تقريب بعض منهم حسب حاجته. أيضا أعطى الاحتلال القوة، ودعم الطوائف ذات الميول الإيرانية حتى وصلت لسدة الحكم ثم عمل لاحقا على تشويها وإظهارها وكأنها الشيطان.

في البداية أيضا اعتبر أن بذرة المقاومة ناتجة ومدعومة من قبل المثلث السني، وسوق إعلامياً أن السنة هم الطائفة الوحيدة الواقفة ضد وحدة العراق وضد إحلال الديمقراطية فيه وربطهم بالقاعدة. أيضا عمل الاحتلال على تحويل شخصية الزرقاوي إلى أسطورة قومية للمقاومة بينما هو في الحقيقة شخصية مرفوضة ومزدرية من قبل كثير من قطاعات المقاومة العراقية الحقيقية.

خلاصة القول إن ما يحاول الاحتلال اليوم تحجيمه والتخلص منه لتسهيل خروج جيوشه، هو ما كان يعززه ويدعمه منذ دخوله، وهو البذرة الشيطانية التي زرعها والتي قد تثمر له بحرب أهليه؛ حرب لن تطيح فقط بالعراق ولكن بكل العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.

ان انسحاب الولايات المتحدة من العراق أمر لا خلاف عليه، ولكنه يجب أن يقوم على أسس وقاعدة سليمة حتى لا يتحول إلى كارثة. يجب ان تخرج الولايات المتحدة الأميركية من العراق، ولكن ليس قبل أن يعلن الرئيس الأميركي وحكومته لكل العالم أن الولايات المتحدة الأميركية ليس لها أية مصلحة إستراتيجية في نفط العراق، وبأن الشعب العراقي هو المسؤول الأول والأخير عن نفط العراق وثرواته.

يجب أن تخرج أميركا من العراق ولكن ليس قبل أن تعترف بالإبادات الجماعية التي ارتكبتها في الفلوجة وغيرها من المدن العراقية وتحاكم دوليا عليها. أحد الجرائم التي يحاكم عليها صدام اليوم هو أمره لجنوده بإلقاء أسلحة بيولوجية على مدينة حلبجة الكردية وقتله لما يقارب 143 مواطناً عراقياً كردياً. في المقابل استخدام الفسفور الأبيض وغيره من الأسلحة التكنولوجية في الفلوجة أدى إلى قتل الآلاف من الشعب العراقي على أيدي الجيش الأميركي.

يجب أن ينسحب الجيش الأميركي من العراق ولكن ليس قبل الاعتراف بالمقاومة الوطنية الحقيقية، وليس تلك التابعة لما يسمى بالزرقاوي، وفتح حوار معها وإشراكها في العملية السياسية بالشروط التي تصب لمصلحة العراق الأكبر؛ يجب الاعتراف بالمقاومة العراقية الوطنية واعتبارها جزءاً من الحركة العراقية السياسية وليس كجماعة بدون برنامج سياسي تهدف فقط إلي قتل الأرواح البريئة، كما صرحت بذلك وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس.

إذا انسحبت الولايات المتحدة من العراق دون الأخذ في الاعتبار ما تم ذكره آنفا، والعراق على هذه الحال من الفوضى الأمنية والضعف، فأنها سوف تسيء لمكانتها، المهدورة أساساً، وتقلل من هيبتها كدولة عظمى تسعى »كما تدعي« لإحقاق العدالة والديمقراطية في كل العالم، خاصة وأن مكانتها في العالم في حالة تداع وانخفاض كبير لم يشهد من قبل.

شعوب العالم كلها اتفقت في هذه المرحلة التاريخية على كرهها للولايات المتحدة وسياستها الخارجية غير المنصفة والمتحيزة. أبرزت نتائج استبيان عالمي قامت به إحدى المؤسسات العالمية أن مكانة الولايات المتحدة انحدرت بشكل ملحوظ.

فعلى سبيل المثال، في سنة 1999-2000 كان ما يقارب 75% من الاندونيسيين يحملون توجهات إيجابية تجاه أميركا، اليوم في سنة 2005 انخفض عددهم إلى 38%. في ألمانيا كان الانخفاض من 78% إلى 41%، وفي بريطانيا من 83% إلى 55%. أن الانسحاب من العراق قد يرفع قليلا من المكانة الأميركية المنخفضة ولكن ليس والعراق في هذه الفوضى الأمنية والسياسية.

يجب على أميركا أن تصلح ما أفسدته قبل خروجها، وهذا الإصلاح لن يتم بالتعاون مع أفراد الحكومة الحالية التي قطاع كبير من أبناء الشعب العراقي يعتقدون بأنها لا تمثلهم وبأنها ليست بالحكومة الوطنية النزيهة التي قد تهتم بمصلحة العراق الكبير على حساب الطوائف.

يجب أن توقف الولايات المتحدة الأميركية احتلالها للعراق الآن، وتبدأ في سحب جيوشها وإصلاح ما أفسدته إذا كانت تريد حفظ ما تبقى من ماء وجهها واستعادة سمعتها كدولة ديمقراطية متحضرة، يربطها بالعالم مصالح إنسانية، وليس أنانية، مشتركة.

جامعة الإمارات

Email