كان استخدام الاتحاد السوفييتي لحق الفيتو كثيرا جدا في الفترة بين عامي 1957 و1985، إلى درجة أن وزير الخارجية، غروميكو، أصبح يعرف بـ السيد نيت، أو السيد لا، ولعل اثر تلويح روسيا باستخدام حق النقض الفيتو. أدى إلى عدم فرض عقوبات اقتصادية.
ولكنه أشار إلى احتمال اتخاذ إجراء آخر لم يحدده في حال عدم التعاون. هذا القرار كان متوقعاً قبل صدوره، لأن الهدف الذي تلهث وراءه أميركا وإسرائيل هو إخراج سوريا من المعادلة الإقليمية.
لا يستطيع أحد إلا أن يعتبر تضمين قرار مجلس الأمن الذي اعتمد فقرتين لا تمتُان بصلة إلى مهمة لجنة التحقيق الدولية،وتتعرضان إلى مسائل إقليمية،هو مؤشر واضح إلى أن هدف من سعى لتقديم هذا القرار لم يكن الكشف عن حقيقة جريمة اغتيال الراحل الحريري.
وإنما استهداف لمسائل تمس حاضر ومستقبل المنطقة.هذه الضغوطات تهدف أيضا إلى تمرير مخططات إضعاف الأمة العربية وزرع الفرقة في كيانها لتسهيل السيطرة على ثروتها.
تتهم سوريا باقتراف الخطايا لصرف اهتمام الرأي العام العالمي عن فشل الإدارة الأميركية في تمرير ما يسمى الديمقراطية المفروضة. والملاحظ إن إسرائيل تريد الانتقام بأيدي الأميركيين جراء الدعم السوري لحقوق الفلسطينيين المشروعة وللمقاومة اللبنانية ولإدانتها الحرب على العراق،
إن إسرائيل هي المستفيدة من الاغتيال للإبقاء على التوتر في المنطقة والاستمرار في قتل الفلسطينيين وإقامة جدار الفصل العنصري ويجب على الجميع إدراك أن لاشيء يجري في الشرق الأوسط دون سياسة إسرائيل العنصرية هناك،
ولكن يبدو إن الأميركيين عاجزون عن إدراك هذا الأمر كما عجزوا عن إدراكه عندما غزوا يوغسلافيا وأفغانستان والعراق. إن من قتل غسان كنفاني في بيروت يستطيع قتل الحريري هناك أيضاً، ومن اغتال الأطفال في قانا وقصف منازل بيروت بالطائرات المقاتلة، أليس من لجنة دولية وراءه.
ففي حالة مجزرة قانا لم يقرر المجلس آنذاك تشكيل لجنة تحقيق دولية، لأن إسرائيل كانت الطرف المتهم.و حادث الانفجار المروع الذي أودى بحياة ممثل الأمم المتحدة في العراق سيرجيو دي ميلو، اكتفى المجلس بإصدار بيان رئاسي فقط،
أما عندما اعتدت إسرائيل على مخيم جنين وذهب ضحيته أكثر من 400 فلسطيني منهم عشرات الأطفال فقد رفضت إسرائيل استقبال اللجنة التي شكلها مجلس الأمن برئاسة الرئيس الفنلندي مارتي اهتساري وأغلق الموضوع بصمت وهدوء.
بعد ذلك لماذا يصر البعض من الأشقاء اللبنانيين استثمار دم الراحل لدب الخلاف بين الشعبين الشقيقين.إن ما تمر به المنطقة الآن يأتي في إطار سياسة مرسومة مسبقاً للمنطقة للنيل من هوية الأمة العربية وكرامتها ووجودها. أبدت سوريا استعدادها للتعاون مع لجنة التحقيق الدولية انطلاقاً من رغبتها في كشف الحقيقة لأنها المتضرر الأكبر من جريمة الاغتيال.
بالنهاية لا يسعنا إلا أن نطلب برفع اليد والوصاية الأميركية عن المنظمة الدولية لأنها أصبحت تشرع الاحتلال وتسلب الأمم حقها الطبيعي في تقرير مصيرها، وهذا يناقض الأسس التي بنيت عليها.