إذا كان لليهود أن يزهوا بساستهم، فقد حق عليهم أن يضعوا شارون على رأس مفاخرهم السياسية. شارون مدرسة إجرامية فريدة، سفاح قديم، توج بقيادة الحكومة الصهيونية بعد أن ثمل من دماء الأبرياء، وهو يواصل القتل والإبادة إلى اليوم، داهية في التذلل لمن فوقه، وجرائمه لا تعد ولا تحصى. يعتريني ذهول، كلما فكرت بالخطاب الذي ألقاه، لقد تخطى شارون بإجرامه الحدود الإقليمية.
شكوى شارون هذه المرة ليست بغرض أن تحميه الأمم المتحدة، وإنما تشجيع السياسة الأميركية والغربية ودول العالم للضغط على الفلسطينيين لاتخاذ موقف سياسي من حركات المقاومة. عندما سمعت شارون يتقدم بشكوى للأمم المتحدة ضحكت، فعلاً وكأنه هو المغتصب حقه وقد طبق المثل الذي يقول «ضربني وبكى.. سبقني واشتكى».
إن الشكوى التي ألقاها جزار صبرا وشاتيلا على منبر الأمم المتحدة، مهما يكن نوعها، هي اعتراف علني بضعف الشاكي وجهله تجاه ما يشكوه، وباستسلامه الباطني للخذلان والقنوط. ولو كانت لشارون الثقة بالتغلب على ما يشكوه ولو للمستقبل البعيد، لما شكا، إنما الشكوى ضعف لا يليق بالإنسان الواثق من نفسه.
كيف لإسرائيل أن تشتكي للأمم المتحدة التي هي لم تعترف بها ولم تحترمها ولم تحترم قراراتها الصادرة. لعبة شارون توحي لقادة العالم أن إسرائيل دولة شرعية وملتزمة بقرارات الأمم. وفي الوقت نفسه فإن العرب والفلسطينيين غير ملتزمين بها، خطاب شارون يشير إلى ضعف العرب. ويشير إلى النفاق الدولي في طريقة التعامل مع دولة إرهابية تستبيح دماء الفلسطينيين، دون رادع يردعها. أو جهة تحاسبها على جرائمها واعتداءاتها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
شارون نجح في تسويق كل شيء لمصلحة ذلك. إن التأييد والتصفيق العالمي الحار لخطاب شارون ولخطواته ومواقفه في مواجهة رافضي السلام في حزبه. والتصريح اللافت للعالم أجمع، الذي اعتبر الجدار الفاصل «قراراً سيادياً إسرائيلياً» لا يمكن فهمه إلا في إطار الضغط على الفلسطينيين ودفعهم للقبول لمجاراة شارون، إن هنالك جهات دولية تنظر إلى الفلسطينيين وكأنهم دولة عظمى، يقتضي كسر شوكتها.
المطالب التي تقدم بها شارون لقمة العالم هي وقف التحريض على إسرائيل في الإعلام والمناهج إظهاراً لحسن النوايا الفلسطينية، يريد شارون أن يجعل من حبر الصحافة بديلاً للدم فهو لا يعد بالامتناع عن القتل والاغتيال. على الفلسطينيين أن يكفوا حتى عن الصراخ وهم يسلمون رقابهم للذبح، عليهم أن يقولوا للعالم إن إسرائيل هي الحمل الوديع،
وان حق الشعب المختار في فلسطين المحتلة يجب أن يدرسه الأطفال الفلسطينيون في مدارسهم، ليس بقوة الواقع فقط، ولكن بقوة التاريخ والجغرافيا والمناهج التعليمية. ساذجٌ من كان يتوقع أن يفصحَ شارون عن شيء آخر سوى السموم والأكاذيب في خطابه السام.استطاع شارون أن يقول للعالم بكل ثقة إنه عازم رغم الألم الذي يشعر به وهو يضحي بأرض الميعاد على مواصلة مشروعه السلمي.
بكلمة أخرى هو يضحي من أجل السلام في الشرق الأوسط، في المقابل الفلسطينيون لا يفعلون شيئاً.في النهاية لا بد من القول إن إسرائيل تستعمل العقل بينما نحن العرب دائما ردود أفعالنا تجتاحها العاطفة. شارون تعود كجندي على الالتفاف على الأحداث قبل أن تدهمه وتسحقه، وخطابه رغم أنه تعبير عن أزمة عميقة تعايشها حكومته وشعبه، إلا أنه نجح في نقل الأزمة إلى الخارج، فشكوى إسرائيل لرؤساء العالم تناسبت معهم وتتفق مع رغبات الإدارة الأميركية في خلق فرصة ذهبية لإعطائها مقعداً في مجلس الأمن.