شهادة اسرائيلية، بقلم: احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 16 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 17 مايو 2003 هل يأتي يوم تندلع فيه ثورة شعبية اسرائيلية ضد الطبقة الحاكمة في اسرائيل وتؤدي الى اقتلاع ثوابت السياسة الاسرائيلية تجاه المسألة الفلسطينية والاحتلال؟ هذا السؤال لم يطرحه مفكر استراتيجي عربي من امثال محمد حسنين هيكل وانما طرحه مفكر اسرائيلي. يوري افنيري صاحب التساؤل كاتب صحفي محترف وأحد نشطاء «حركة السلام» الاسرائيلية بالاضافة الى انه عضو سابق في البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) لمدة عشرة اعوام. ويطرح افنيري تساؤله من خلال التغييرات الكاسحة التي تجتاح المجتمع الاسرائيلي في مدى اكثر من سنتين ونصف السنة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية المسلحة في سبتمبر 2000. انها تغييرات سالبة كما يلاحظ افنيري في مقالة صحفية. لكن هناك معضلة من نوع آخر. فالطبقات المتوسطة والفقيرة التي تشكل الغالبية العظمى للمجتمع اليهودي الاسرائيلي لم تفطن بعد الى طبيعة العلاقة العضوية السببية بين المقاومة الفلسطينية المسلحة وثوابت السياسة الامنية الاسرائيلية الدموية والتدهور الاقتصادي والاجتماعي الحاد والمتنامي في اسرائيل. والسؤال هو: متى يأتي اليوم الذي يتبين فيه الشعب الاسرائيلي هذه العلاقة؟ لمدى اكثر من نصف قرن، يشرح المفكر الاسرائيلي افنيري، ظل المجتمع الاسرائيلي يستمتع بوهم لذيذ بأنه لا توجد علاقة على الاطلاق «بين سياستنا نحو الفلسطينيين ووضعنا الاقتصادي». وبعد ان يشرح افنيري فداحة الثمن الاقتصادي الذي تتكبده اسرائيل بسبب السياسة القمعية واستمرار الاحتلال فإنه ينبه الى ان تجاهل هذا الثمن افرز نتيجة غريبة، ذلك ان افقر الطبقات في اسرائيل ـ اي اكثر الناس تأثراً بحالة التدهور الاقتصادي ـ يعطون اصواتهم الانتخابية لحزب الليكود المتشدد. ففي الانتخابات الاخيرة صوتوا بالجملة لصالح شارون بأمل ان يحقق لهم شارون مطلبين: قمع الفلسطينيين وانتفاضتهم من ناحية ووضع نهاية للازمة الاقتصادية من ناحية اخرى. ومعنى ذلك ان غالبية الشعب الاسرائيلي عاجزة عن ادراك التناقض بين هذين المطلبين. فالكلفة الباهظة للسياسة القمعية هي سبب الازمة الاقتصادية. ونعود الى السؤال: متى يدرك الشعب الاسرائيلي هذا التناقض ومن ثم ينهض للثورة ضد الطبقة الحاكمة وثوابت سياستها القمعية نحو الشعب الفلسطيني؟ متى تدرك الاغلبية ان شارون وامثاله هم في الحقيقة سبب شقائهم؟ هناك بوادر تغيير في الرؤية الشعبية الاسرائيلية، يقول افنيري. فقد اخذت ترتفع بعض الاصوات الانتقادية لسياسة اليمين الاسرائيلي واتهامه بأن سياسة القمع الدموي هي السبب الجذري للتدهور الاقتصادي الذي بات ينعكس على المستويات المعيشية للاسر. وقد اضطرت حكومة شارون الى الاعتراف خلال الشهور الاخيرة بأن استمرار المقاومة الفلسطينية هو السبب في هبوط اداء الاقتصاد الوطني الاسرائيلي.. والا لعجز شارون عن تبرير ما بدأت الحكومة الاسرائيلية اتخاذه من اجراءات تقشفية كاسحة. لقد سددت المقاومة الفلسطينية المسلحة ضربة قاصمة الى السياحة التي تعتبر احد اعمدة الاقتصاد الاسرائيلي. وكنتيجة لاستمرار المقاومة توقفت الاستثمارات الخارجية تقريباً. فالجيش الاسرائيلي العملاق الذي يتولى امر مقاتلة المقاومة الفلسطينية وحماية المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية يبتلع النسبة الاكبر من الناتج القومي الاجمالي الاسرائيلي مما ادى بدوره الى عجز يتنامى بايقاع متسارع في الميزانية العامة. ما هي الخلاصة؟ يقول افنيري ان الازمة الاقتصادية الاسرائيلية سوف تتفاقم طالما استمرت المقاومة الوطنية الفلسطينية وبالتالي سوف تتدنى الاوضاع المعيشية لاسر الطبقات الوسطى والفقيرة في اسرائيل. ومن ثم تدخل اسرائيل مرحلة الاضرابات المتسلسلة التي تمهد لثورة شعبية على الطبقة الحاكمة. واستناداً الى هذا التحليل علينا ان نتساءل بدورنا من المنظور العربي: لماذا تتبنى القيادة الفلسطينية الجديدة بزعامة محمود عباس ابو مازن سياسة تقضي بتصفية المقاومة المسلحة؟ هل هذه القيادة معنية بانقاذ الطبقة الحاكمة في اسرائيل؟

Email