شيخ الأزهر ولغة الالتباس ـ بقلم: محمد خليفة بن حاضر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 12 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 13 مايو 2003 إنها ليست المرة الاولى التي يتنصل فيها سماحة الشيخ «الطنطاوي» ولن تكون الاخيرة، ألم يحلل العمليات الاستشهادية ولم يلبث أن حرّمها، وها هو الآن يتبرأ من تطاوله على الامة الاسلامية والتي نعتها «بأمة الرعاع والمنافقين»، غير انه مهما كانت الاسباب والملابسات حتى العاطفية منها والتي دفعت بسماحته الى قول ما قاله في الامة الاسلامية، فقد كان الاوْلى به ان يقصر تطاوله على النظم لا الشعوب وخاصة النظم العربية منها. في العالم الاسلامي هناك شعوب أبت العمل بنظام الاستبداد السائد في اقطار العالم العربي «كتركيا» التي رفض برلمانها السماح للجندي الاميركي بالمشي على تراب «تركيا» رغم عضويتها في حلف «الناتو» التي تهيمن عليه «واشنطن» ورغم الاغراءات المالية التي قدمت «لأنقرة» وحاجتها الماسة اليها. هناك «ماليزيا مهاتير محمد» وهو الرجل المعروف بمواقفه الشجاعة وبما انجزه في «ماليزيا» حتى اصبحت «كوالالمبور» مضرب المثل في التنمية بين دول العالم الثالث، وهناك «ايران» هذا البلد الذي يحاول جاهداً السير الى الامام بالكثير من الثقة بالذات رغم ما فيه من تباين افكار وتعدد وجهات نظر ولكنها تبقى ظاهرة صحية تدل على درجة الوعي الذي بلغه المجتمع الايراني. ولا يمكن للمراقب ايضاً ان يغفل باكستان التي بلغت شأواَ في التصنيع ومؤسسات المجتمع المدني. لقد كان اولى بالشيخ الجليل «طنطاوي» ان يبدأ بنقد الذات، وعندي، أنه فكر ملياً في الامر قبل ان يطلق العنان لتطاوله على الامة الاسلامية التي لولا بعض المعممين ومؤازرتهم للنظم، ما وصلت الى ما وصلت اليه اليوم من رداءة وضع لا تحسد عليه، هؤلاء المعممون اين شجاعتهم من شجاعة «عبد الرحمن الكواكبي» والشيخ محمد عبده وقاسم امين والعديد من السلف الفاضل». ان حركات ومنظمات التطرف في العالمين العربي والاسلامي وهي حركات ومنظمات رافضة للتحضر والتمدن والاخذ باسباب الازدهار والتقدم ومعادية للرأي الآخر لم تكن في الواقع الا نتاجاً لافكار وعقول المرضى من هؤلاء في مدارس التجهيل وطمس الحقائق الناصعة إرضاء لسلطان الاستبداد، لقد دأبت هذه المدارس على اصدار التأويلات المخالفة للناموس والفتاوى المُشْبِعة للغرور الاناني النهم، فحرمت وحللت ما حللت! أتعرفون لماذا نقف اليوم حيرى حيرة الضب في مهب الريح؟ أتعرفون لماذا نقف اليوم عراة امام العالم بأسره؟ لاننا لم نتعامل بالواقع والحقيقة، بل كان جُلّ اهتمامنا بالمباورائيات والخزعبلات ناهيك بالخرافات والبحث الدؤوب عن الشماعات لنعلق عليها اسمال فشلنا، حين اخفقنا في معرفة الحياة حق المعرفة، وابرز دليل على ذلك «اسرائيل» هذه الدولة التي زرعت في فلسطين منذ خمسة وخمسين عاماً ليس غير، لان مؤسسيها لم ينشغلوا بغير العلم والمعرفة فكان لهم ما ارادوا من سلاح نووي يهددون به كل العواصم العربية بغير استثناء.؟ «والفضل ما شهدت به الأعداء» بينما اشتغلنا نحن بتعزيز سلطة الارهاب الفكري والديني عبر مؤسسات لا تعرف غير اجترار قيم ليست قادرة على مواكبة العصر ومتطلباته، وهناك الارهاب السياسي المتجذر في قلوبنا واكبادنا والذي أودى مؤخراً بعاصمة الرشيد!. نحن فقراء رغم الثروة الاستثنائية التي وهبناها منذ ستين عاماً بل اكثر «النفط» لاننا فشلنا وكالعادة ـ في استغلال هذه النعمة وفي تصريفها لاننا لا نؤمن بالعدل ولو كنا كذلك لما ذهبت ريحنا وتبددت ثروتنا وشلت قدراتنا فأصبحت الأمة جسداً لا حراك فيه لانه سلب الروح . لقد كثر المشعوذون في هذه الامة بل اصبحوا الفرسان الوحيدين في الميدان الاجتماعي يخافهم السواد الساذج خوفه من «الجن» ويقدرهم البسطاء تقديرهم للملائكة!! ان النظام العربي ما كان له الاستمرار في استبداده وعنته لولا بعض المعممين، فهم الوحيدون الذين زودوا، ومازالوا يزودون نظام الاستبداد بإكسير الحياة والديمومة الى ان داهمتنا رياح التغيير القسري قنابل وصواريخ «52 B» وحمم البوارج الحربية وحاملات الطائرات المسيرة بالطاقة الذرية بينما المعممون سادرون في بث سمومهم عبر مكبرات الصوت غير المسلمة!! فتارة يلعنون الكفر والكفار وتارة يشتمون الحضارة العلمانية المادية، بينما لسان حال الحضارة عينها يرد عليهم قائلاً: «وماذا على السحاب من نباح الكلاب». ان الامة «العربية» ستبقى على وضعها المتردي هذا ما بقيت «العمامة» في جهلها لا شغل لها سوى الحلم الذي لن يحظى به على حد رؤية العمامة الا التنابل من البشر. اننا لن نتقدم ما لم ندعُ الى سلطان العلم الحديث وقوة العقل لكي ننتقل من هجعة الكسل والاتكال الى صحوة العمل الجاد بنسف المفاهيم البالية واستبدالها باصلاحات اساسية ذات شفافية متناهية، فان لم نفعل ذلك فان سقوط بغداد لن يكون السقوط الوحيد والاخير! يقول مهاتير محمد: «لقد ابتعدنا عن الشريعة الاسلامية وفسرناها بمفهوم ضيق وحصرناها في العبادات والتواكل من دون فعل ايجابي، وتساءل «هل سيدخل المسلمون الجنة بمجرد انهم ادّوا العبادة فقط؟!».

Email