العلاقات الاميركية ـ السورية إلى أين ؟ ـ بقلم: خورشيد دلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 11 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 12 مايو 2003 دخلت العلاقات الاميركية ـ السورية مع الاحتلال الاميركي للعراق إلى مرحلة جديدة مرحلة تتميز بكثافة الضغوط الاميركية على سوريا من أجل تحقيق جملة من الأهداف الاميركية في المنطقة، فقد حملت زيارة وزير الخارجية الاميركية كولن باول إلى دمشق وبيروت جملة من المطالب الاميركية والإسرائيلية الهدف منها هو تجريد سوريا من أوراقها في الصراع الجاري مع إسرائيل ودفعها إلى الانتقال من منطق الصراع والمواجهة إلى منطق التفاوض مع إسرائيل بشروط جديدة . وإذا كانت المطالب الاميركية لدمشق تأتي على شكل اتهامات لها بدعم المنظمات الفلسطينية واللبنانية (حزب الله) التي تعدها واشنطن إرهابية إضافة إلى النظام العراقي المنهار وامتلاك أسلحة دمار شامل . فان واشنطن تضيف إلى ضرورة استجابة سوريا لهذه المطالب جملة من المطالب السياسية التي تتعلق بقضيتين أساسيتين: الأولى: عدم التدخل في مستقبل العراق في مرحلة ما بعد نظام صدام حسين والمقصود هنا اميركيا، هو عدم عرقلة الخطط الاميركية بخصوص مستقبل العراق والامتناع عن إثارة مقاومة عراقية في مواجهة الاحتلال الاميركي كما حصل في جنوب لبنان، وهذه رسالة موجهة إلى إيران بقدر ما هي موجهة إلى سوريا، وكذلك ضرورة ضبط الحدود السورية ـ العراقية في مواجهة عناصر النظام العراقي المنهار. الثانية: عدم عرقلة سوريا للطبخة الاميركية ـ الإسرائيلية الجارية باسم خريطة الطريق من أجل تحقيق تسوية نهائية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي بل ودفع سوريا إلى التعامل معها واعتبار طريقة تعاملها مع مسار تنفيذ خريطة الطريق اختبارا لقدرتها على التأقلم مع السياسة الاميركية في المنطقة بعد احتلال العراق وهو الأمر الذي لا ينفك باول عنه في القول: ان معطيات كثيرة في المنطقة تغيرت وان على سوريا أخذها في الاعتبار في سياستها وتعاونها مع الإدارة الأميركية وواشنطن تريد من وراء كل ذلك تهيئة سوريا ودفعها إلى التفاوض مع إسرائيل بشروط مغايرة لمؤتمر مدريد للسلام وما تم التوصل إليه من تفاهمات على المسار السوري في عهد إدارة الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون. المطالب الاميركية التي حملها باول خلال زيارته إلى دمشق وبيروت هي في العمق بداية حملة سياسية دبلوماسية مكثفة ضد سوريا انطلاقا من هذه المتغيرات وما يترتب عليها أولا، ومدفوعة اميركيا بنشوة انتصارات واشنطن العسكرية في حروب البلقان وأفغانستان والعراق ثانيا، هذه النشوة التي تدفع بـ واشنطن إلى القول لدول العالم دون استثناء : ان قواعد اللعبة في العالم تغيرت لصالحها وبشكل مطلق وهي في ضوء انتصاراتها هذه بدأت تحس بقدرة كبيرة على شن الحروب وتغيير الأنظمة تحت اسم الديمقراطية والحرية بهدف انشاء منظومات إقليمية ودولية متوافقة مع مصالحها وسياستها ومفهومها للسيطرة العالمية طالما لا يوجد من يردعها . دون شك تشكل سوريا في السياق الاستراتيجي هدفا للسياسة الاميركية والصهيونية فهي دولة عملت طوال العقود السابقة من أجل دفع المخططات الاميركية والصهيونية عن المنطقة وسعت إلى امتلاك عناصر القوة اللازمة للوقوف في وجه هذه المخططات وفي سبيل ذلك أقامت تحالفات مع دول وقوى معادية أو كانت معادية لواشنطن بهدف إفشال المخططات الاميركية - الإسرائيلية انتصارا لمواقفها القومية والوطنية في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي والثابت هنا هو ان الولايات المتحدة ترى ان السياسة السورية على هذا النحو باتت تشكل سلوكا معرقلا لمخططاتها الرامية إلى إعادة تشكيل المنطقة من جديد وإذا كان مفهوما السعي الاميركي لإعادة تشكيل المنطقة تحت دوافع سياسية وأمنية ونفطية واقتصادية وعالمية على أمل فرض سيطرتها على العالم حلقة حلقة الا ان الأخطر في هذه المسألة هو هيمنة اللوبي الصهيوني على توجهات الإدارة الاميركية ومحاولات هذا اللوبي دفع هذه الإدارة إلى القيام باعمال عدوانية ضد دول معينة خدمة لمصالح إسرائيل ومخططاتها في الهيمنة والسيطرة والاحتلال إلى درجة ان الحروب الاميركية ضد الدول العربية والإسلامية تبدو في الصميم هي حرب إسرائيلية بالوكالة وليس غريبا ان سوريا التي حرصت طوال العقود الماضية على إقامة علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة خدمة لمواقفها السياسية وقضاياها القومية والوطنية وجدت نفسها في كل محطة من المحطات الصعبة في امتحان كبير إزاء هذه العلاقة بسبب هيمنة اللوبي الصهيوني على الإدارة الاميركية إلى درجة ان هذا اللوبي أدمج أهدافه بأهداف سياسة الإدارة الأميركية وهي أهداف تؤكد ان الحرب التي بدأتها الولايات المتحدة ضد العراق لم تكن أسبابها أسلحة دمار الشامل العراقية (التي لم يتم العثور عليها حتى الآن !!!) بقدر ما انها جرت انطلاقا من مخططات أميركية هدفها إعادة تشكيل خريطة المنطقة في ضوء المصالح الاميركية والإسرائيلية تحت شعارات الديمقراطية والحرية. وعلى الرغم من كل هذا فانه من الصعب تصور قيام الولايات المتحدة بشن حرب ضد سوريا لا بسبب ضعف المزاعم الاميركية ضدها طالما ان المسألة مسألة مخططات ومشاريع أميركية تتعلق بإعادة تشكيل خريطة المنطقة بل بسبب طبيعة السياسة السورية نفسها وقدرة هذه السياسة على قراءة المتغيرات والتعامل معها فضلا عن التزام سوريا بالشرعية الدولية وقوة دبلوماسيتها المفتوحة على الدول العربية والإسلامية وحتى على حلفاء واشنطن في أوروبا بل والإدارة الاميركية نفسها ومن شأن كل هذا بقاء الحوار بين دمشق وواشنطن مفتوحا كلما وصلت الأمور إلى نقطة صعبة، دون ان يعني كل هذا التقليل من هواجس الحرب ضد سوريا في ظل قوة نفوذ اللوبي الصهيوني في الإدارة الاميركية ومساعي هذا اللوبي في دفع هذه الإدارة إلى تحقيق أهداف إسرائيل تجاه سوريا بزعم دعمها (المنظمات الإرهابية). دون شك شكلت زيارة باول إلى دمشق وبيروت ضربة لهذه المساعي وجاءت لتؤكد من جديد على أهمية الدور السوري في العديد من ملفات المنطقة في فلسطين ولبنان والعراق . وعليه فإن الحديث عن حرب ضد سوريا في هذه المرحلة تبدو أعقد بكثير من التصريحات والتهديدات والدوافع الاميركية التي لا يستبعد المحللون انها تأتي في إطار حرب دبلوماسية قوية من أجل تطبيق مخططاتها في العراق دون عقبات ودفع سوريا ولبنان إلى تسوية مع إسرائيل دون العودة إلى المرحلة السابقة من المفاوضات . سوريا التي أعلنت مرارا وعلى أعلى المستويات معارضتها للحرب الاميركية على العراق تدرك في الوقت نفسه وانطلاقا من المخططات الاميركية والصهيونية ان المنطقة كلها مستهدفة وان ذرائع الإدارة الاميركية جاهزة لتوجيه هذه الاتهامات أو تلك إلى هذه الدولة أو تلك وان هناك معطيات جديدة في المنطقة هي ليست لصالحها . سوريا هذه تدرك انها ليست في صدد مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة بل على العكس تماما مهتمة بحوار جدي معها حوار يفضي إلى تعاون إيجابي مع الإدارة الاميركية ويساهم في تحقيق المصالح السورية من التطورات والتغييرات الجارية في المنطقة بما في ذلك تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي وعليه فان الخلافات الكثيرة والمتراكمة بين دمشق وواشنطن مرشحة للدخول في مرحلة من التأطير والحل شرط ان يسفر الحوار الجاري بينهما عن تفاهمات تحفظ الثوابت السياسية لسوريا من جهة وتحقق للولايات المتحدة أهدافها في المنطقة من جهة ثانية وهو الأمر الذي يعني تحركا اميركيا في المرحلة المقبلة على المسار السوري - الإسرائيلي من أجل تسوية تحقق (السلام الاميركي) في المنطقة. العلاقات الاميركية - السورية بعد احتلال العراق دخلت مرحلة مفتوحة وإذا كانت هذه المرحلة بالنسبة لواشنطن هي تأقلم سوريا مع المتغيرات الجديدة من خلال تلبية جملة من المطالب الاميركية فانها بالنسبة لـ دمشق مرحلة الحل السياسي والتعاون الايجابي مع الإدارة الاميركية تحقيقا لمصالحها وهي مصالح أشار إليها باول خلال زيارته إلى دمشق وإلى حين ظهور تحرك اميركي إلى العلن في هذا السياق ينبغي النظر بدقة إلى ما سيقوله شارون وما سيفعله وما سيسربه إلى وسائل الاعلام من مكتبه الخاص. ـ كاتب سوري

Email