«طائر السعد»، بقلم: نور سليمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 9 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 10 مايو 2003 تظهر «»طيران الامارات» من بين كل المؤسسات المحلية بكافة انشطتها كعلامة فارقة في مسيرة الاقتصاد الوطني، مثلما هي علامة فارقة بين شركات الطيران العالمية، فمنذ نشأتها العام 1985 وهي تنتقل من نجاح الى تفوق الى تميز لتحلق بعدها ليس على القمة بل فوقها، تحملها اجنحة الادارة المرنة وتدفعها محركات اقتصاد متنوع في بلد الاجواء المفتوحة للطيران وكل الاستثمارات. في هذا العام حققت الناقلة الدولية لدولة الامارات العربية المتحدة ارباحا قياسية زادت على المليار درهم، رغم ازمات مرت واخرى لا تزال ماثلة عبر المنطقة والعالم من الحروب والامراض التي اضرت بصناعة الطيران العالمية وكبدتها خسائر تصل الى 13 مليار دولار. وكان من المثير ان تحقق الناقلة هذا الحجم من الارباح الصافية في ظل وضع عالمي متأزم، لكن المتتبع لمسيرة الشركة وتعاملها مع تلك الازمات وتفاعلها مع الخطط التنموية لمستقبل دبي يرى ان تلك الارباح لا تثير الاستغراب بل تثير الاعجاب والتقدير بسرعة استجابة الشركة للتحديات وتكيفها مع الأوضاع المستجدة في جميع محطاتها مما ساعدها على الحد من التأثيرات السلبية لهذه الأوضاع على عملياتها. فمثلا تعتمد «طيران الامارات» سياسة البقاء المدروس في مناطق الازمات مع الحرص على سلامة ركابها وطائراتها وموظفيها، في الوقت الذي ينسحب فيه الاخرون، وهذه ميزة تحسب للشركة في خدمة عملائها، كما تمنحها فرصة تحقيق نسبة تشغيل عالية بعد الطفرة التي تعقب انتهاء اي ازمة فيما يحاول الاخرون استعادة مكانة خسروها بانسحابهم. وقد اعتمدت الشركة منذ نشأتها سياسة التوسع التدريجي المنظم على مستوى امتلاك الطائرات وانتشار تدريجي منظم مماثل في افتتاح خطوط جديدة، ويبدو ان «رقم السعد» لهذه الشركة هو الرقم «ثلاثة»، فهي منذ العام 1985 تاريخ الإنشاء تضاعف اسطولها من الطائرات بمعدل ثلاث طائرات سنويا ليصل اليوم الى 51 طائرة، رافقه بالطبع زيادة في عدد خطوط الناقلة الى محطات جديدة بمعدل ثلاثة خطوط سنويا وفق خطط مرنة تتيح لها الاستفادة من الفرص التجارية الجديدة. ومن المثير ايضا ان متوسط عمر الطائرة لدى «طيران الامارات» ثلاث سنوات تقريبا، وهي مسألة جديرة بالملاحظة لأنها تعني اولا ان الشركة حريصة على تقديم اعلى مستويات الامان والرفاهية للركاب من خلال اكثر الطائرات تطورا، وثانيا ان هذا الاجراء يِؤكد ان الشركة تحقق ارباحا قياسية يتيح لها مرونة واسعة في تحديث اسطولها والتوسع في شبكة خطوطها في زمن قياسي، يجنبها تضخم تكاليف خدمة وصيانة الطائرة لتقدمها في العمر. ويرى البعض ان طلبيات الطائرات خلال السنوات المقبلة والتي يصل عددها الى 65 طائرة يشكل عبئا ماليا ضخما على الشركة لا بد ان خلفه دعما حكوميا، لكن خدمة تلك الالتزامات تدخل تدريجيا الى موازنة الشركة بالتزامن مع تسلم الطائرات المقرر من الان وحتى العام 2010 اي ان العبء المالي وسداد الالتزامات لجهات التمويل المصرفية يتم التعامل معها تدريجيا بطريقة التسليم، كما ان الطائرات الجديدة التي ستتوسع معها شبكة خطوط الشركة ستساهم بدورها في سداد التكاليف مثل سابقاتها من اسطول الشركة. كما ان ارقام الارباح التي تحققها الشركة التي تعتبر من اكثر خمس شركات ربحية في العالم تجعل اي مخطط مطمئنا الى القدرة على الوفاء بأي التزام مالي، خاصة ان الأرصدة النقدية لدى الشركة ارتفعت إلى 8,4 مليارات درهم. ويحرص مسئولو الشركة على توضيح حقيقة ان الشركة لا تتلقى اي دعم حكومي وخصوصا في بند الوقود الذي تتعاقد الشركة للتزود به من السوق العالمية عبر عقود طويلة المدى، كما ان الواقع يؤكد تلك الحقيقة، حيث وضعت الحكومة «طيران الامارات» امام تحديات المنافسة العالمية للوصول الى اعلى مستويات الجودة عبر اعتماد سياسة الاجواء المفتوحة، ما يعني انها تعتمد اساليب تجارية صرفة، وكان بالامكان اعتماد سياسة الاجواء المغلقة واحتكار سوق ضخمة لتقديم اكبر دعم كما تحظى شركات اخرى ولا تحقق ارباحا بل تتكبد خسائر. واذا كان هناك من دعم فهو دعم غير مباشر تستفيد منه شركات الطيران الاخرى بنفس الدرجة، وهو مشاريع الاستثمار الضخمة لمستقبل دبي وازدهارها الاقتصادي في كافة القطاعات التي تسهم في تنشيط حركة السفر منها واليها. لذلك فمن باب الانصاف لا المجاملة القول ان هذا الطائر الذي يقف وراء نموه وتحليقه العالي تخطيط وفق اهداف مرسومة يلعب دوراً محورياً في تعزيز مكانة دبي كواحدة من مدن الاستثمار الناجح على مستوى العالم، كما انه اصبح إحدى الركائز المهمة للاقتصاد الوطني من خلال ربحيته وعدم اعتماده على أي دعم حكومي، حيث ساهم في الناتج المحلي الإجمالي لدبي خلال السنة المالية الماضية في صورة إنفاق مباشر وغير مباشر بنحو 10 مليارات درهم. هذا النجاح المتواصل يلخص المسئولون في الشركة اسبابه، بالتطلع الدائم إلى بلوغ أرقى مستويات الجودة اعتمادا على الكفاءات والخبرات العالية لدى إدارة الشركة وموظفيها، وعملهم بروح الفريق، وقدرتهم على الجمع بين معايير تخفيض التكاليف وإضفاء اللمسة الشخصية والتواصل المباشر مع العملاء، لتحافظ الشركة بذلك على اهدافها دون تغيير في تقديم أفضل خدمة، وربط دبي ودولة الإمارات مع شركائها التجاريين الرئيسيين واجتذاب وتطوير شركاء جدد، والإسهام في تطوير مكانة دبي كمركز إقليمي للتجارة والسياحة والطيران، جاعلة من نفسها «رقم السعد» للاقتصاد المحلي.

Email