آخر الكلام ـ يكتبها: مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 8 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 9 مايو 2003 يوما بعد يوم تتكشف اللعبة الكبرى التي تلعبها اميركا في الشرق الاوسط، ويوما بعد يوم نجد انفسنا كأمة تقع في مؤامرة كبيرة لتجريدها من خياراتها وابقائها تحت خيارات مرغمة عليها بدءاً من العراق الذي تلبس مدنه واطيافه الشعبية الاردية الجاهزة لسلطاته. وما كنا نتصور أن العراقيين قد تخلصوا من نظام دكتاتوري جائر ارهقهم وعذبهم لعقود من الزمن، وانهم سينعمون بالديمقراطية وحرية القرار واختيار القيادة، فان الامر ينتكس وينكشف، فهذه الحرية التي جاءت على ظهر دبابة هي التي ستفرض النظام الجديد على العراقيين، وبات بعيد المنال ان يذهب العراقي بحرية كاملة الى صناديق الاقتراع لاختيار من يدير شئونه وشئون بلاده .. العملية جاهزة وأمر السلطة او النظام القادم الى العراقيين لن يخرج عن هوى قائد الدبابة الذي خدعهم بالراية البيضاء والديمقراطية الحرة. العراق والعراقيون اليوم يرتب احوالهما ومستقبلهما من على الطاولات الخاصة، هكذا سيكون العراق، هكذا سيتوجه، هذه هي الايديولوجية التي سوف تسيطر على مناخه السياسي في السنوات المقبلة، هكذا نظام جاهز معلب مصدر لا اختيار للعراقيين فيه. ومن كان لا يعتقد في ذلك ويصدق ان اميركا جاءت لتطلق حرية العراق والعراقيين الى فضاء الاختيارات القصوى فهو موهوم بالخديعة او .. اللعبة. ويجب ان نتذكر ان صرخة البيت الابيض التي جاءت لتواجه العرب قالت بالحرف الواحد ان العراق الجديد سيكون نموذجا لما تريده اميركا من الدول العربية في الشرق الاوسط. وبالتأكيد فان هذه الصرخة الانتقامية لن تطلق حريات الديمقراطية العربية الى اقصاها الذي قد يتقاطع مع السياسات والرغبات الاميركية او اللوبي الصهيوني العالمي، وانما اطلاق الصرخة يأتي لان اميركا وكما يفهمها ابسط البسطاء تريد اعادة ترتيب ايديولوجيات الامة بما يتوافق والطموح الصهيوني اولا والاميركي ثانيا. ما يحدث في العراق اليوم هو ان اميركا توزع تحولاته التي تريدها الى لاعبيها الرئيسيين في اللعبة الكبرى، فصار العراق تركة كبيرة يتساعد عليها الاميركان والاصدقاء. بعد هذا هل بقي للعراقي رأي أو اختيار؟ من يقول نعم فهو صاحب قناعات ساذجة مهلكة .. وعلينا ان نقول من الآن العراق سلم بالكامل لجنرالات السياسة والحرب والاقتصاد الغربي وان العراقي سيأكل «الهامبورغر» رغما عن انفه بدل «الباجه». لكن الذي يجب ان نسأل عنه نحن بسطاء الشرق الاوسط والوطن العربي هل تعي الانظمة العربية اليوم ما يمرر من رسائل عبر نموذج العراق؟ ان كانت الانظمة العربية تعي ذلك فإننا سنبقي على شيء من الطمأنينة لاننا مجبرون على التعلق بالقشة، فالوعي بالمصيبة قشة تعزز على الاقل الامل في النجاة ولو كان أملا كاذبا او خادعا. وان كانت الانظمة العربية تجهل حسابات تمريرة اللعبة في العراق فتلك طامة كبرى، على عقلاء الامة ان يشحذوا فكرهم لانقاذ خصوصيتنا من الابتلاع. يكشف العراق يوما بعد يوم المزيد من اسرار اللعبة وتكشف الاجراءات والاملاءات الصريحة والخفية في الاراضي المحتلة ما هو اخطر. اننا نساق الى مختبر كبير لاعادة استنساخ العربي المناسب للغرب تماما .. وهذا مقصد اللعبة . halyan@albayan.co.ae

Email