كل صباح ـ صورة غير صحيحة ـ تكتبها: فضيلة المعيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 5 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 6 مايو 2003 لم تعد الصورة النمطية التي يرسمها البعض عن المواطن صحيحة، ولم يعد المواطن اليوم ذلك الشخص المرفّه الذي يجد كل شيء في متناول يده وطلباته جميعها مجابة قبل أن يطلبها، فتعليمه وعلاجه مؤمّن، والحكومة توفر له كل شيء منذ لحظة ميلاده وحتى يحين موعد زواجه، العمل يأتيه جاهزاً وكذلك منزله وغير ذلك من الامتيازات التي لا تتوفر لغيره في دول كثيرة. إنه «الصيت ولا الغنى» حيث يغلب عليه المظهر الخادع الذي يبعد كثيراً عن الواقع وعن الحقيقة التي تنطلي على الكثيرين، أو هكذا يعمدون، حتى الذين يعيشون بيننا. جميعهم يرى المواطن في صورة ذاك الرجل الذي تمتليء جيوبه بالدراهم، يسكن فيللا فخمة ويركب سيارة فاخرة أحدث موديل، أبناؤه يدرسون في مدارس خاصة، وفي الصيف يتوجهون إلى مصايف العالم هرباً من قيظ البلاد. صورة لا تمت لواقع الحال بصلة ـ على الأقل ـ بالنسبة للغالبية من أبناء الدولة الذين يستعرون بنيران الديون البنكية التي تلتهم الجزء الأكبر من رواتبهم ولا يكاد ما يتبقى منها يكفي لـ «عيش حاف» على رأي الاخوة المصريين. والنتيجة الاغراق في المزيد من الديون حتى يتمكن من تلبية احتياجات أسرته يصل معها إلى مرحلة يشعر انه أصبح على هاوية الاختناق، فالفيللا التي يسكنها بالدين، والسيارة التي تقف أمام بوابتها أيضاً بالقرض، أي ان كل ما لديه مرهون لجهات التمويل وليس له فيها سوى الاسم، فأي رفاهية تلك التي تكمن في هم الليل وذل النهار؟ محسود أنت أيها المواطن رغم انك الوحيد بين الخلق الذي تعيش غربة الوطن وليس فيه ما يميّزك عن غيرك، كل الناس بلادهم لهم وبلدك لكل الناس سواك، بلد جل خيراته للغريب وكل عائدات الاستثمار وغيره تحول وبكل العملات الصعبة إلى الخارج وأنت في خضم كل ذلك لست أكثر من مستهلك يدفع وحسب. كل الناس لهم في أوطانهم وضع خاص إلا أنت، حتى المخفي والرقم المميز الذي كنت تتباهى بهما باعتبارهما يميّزانك عن غيرك ـ لم يعودا لك وحدك وأصبح في مقدور من يدفع أن يحصل على أكثر الأرقام تميزاً. تسير في الطريق، يطل عليك أحدهم بسيارته الشبح آخر موديل بلوحة ثنائية، يغطي شعره بقماش طوله 10 أمتار، فلا تملك سوى قول «اللّه يسامحك». كل الدول تكيل بأكثر من مكيال في تعاملاتها وتميز بين مواطنيها وغيرهم في كل شيء.. نقول لا عيب في ذلك فهذا حقهم بالطبع، وفي بلادنا أيضاً هناك تمييز ولكن لصالح «الأجنبي» وفي أسوأ الأحوال يتساوى مع المواطن. نقصد دولاً شقيقة وصديقة تتعامل فنادقها معنا بالعملة الصعبة، فيما يكون التعامل مع أهل البلد بالعملة المحلية لها.. نقول لا شيء في ذلك، فمن غير المعقول أن يتساوى أهل البلد معنا نحن الغرباء. تطول فترة بقاء بعضنا في بعض الدول التي نذهب إليها بهدف الدراسة أو غيرها، نتوجه إلى دوائرها الحكومية أو الخاصة لانهاء معاملة ما، ينطبق على أنفسنا المثل القائل «يا غريب كن أديب» ونقف بانتظام في الصف حتى في الدول التي لا تعير الوقت والنظام أي اهتمام. نعود إلى الوطن.. نعاني الغربة ذاتها.. نذهب للتسوق فنجد أنفسنا ثلة بين جموع البشر من كل الأجناس، نمشي في الطرقات فلا نجد أنفسنا في المتنزهات وغيرها.. نسمع أصواتاً بكل اللغات واللهجات، ولهجتنا ضائعة ونشاهد صوراً ووجوهاً ليس بينها وجه يحمل ملامحنا، فأين الرفاهية التي تتحدثون عنها؟ وأي حياة تلك التي يحياها هذا المحسود؟ Email: fadheela@albayan.co.ae

Email