خط مباشر ـ طريق إلى المجهول ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 4 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 5 مايو 2003 «لو» حرف امتناع لوجود هذا المعنى يطبقه الصحفي الاسرائيلي يوري افنيري من «حركة السلام الاسرائيلية» على مشروع «خريطة الطريق» في مقالة باللغة الانجليزية استعمل فيها المعادل اللغوي لكلمة «لو» العربية ـ وهي كلمة «نى». على هيئة يقول افنيري ان «خريطة الطريق» كان من الممكن ان تكون وثيقة.. لو.. لو ماذا؟ لو كان شارون وشركاه على استعداد اكيد لرد الاراضي المحتلة الى اصحابها وتفكيك المستوطنات اليهودية.. لو كانت الولايات المتحدة راغبة لممارسة ضغوط جادة على اسرائيل. لو كان هناك رئيس في واشنطن مثل دوايت ايزنهاور الذي كان لا يهتم قيد انملة بالاصوات والتبرعات اليهودية. لو كانت اي من الامم المتحدة او الاتحاد الاوروبي أو روسيا تمتلك قوة حقيقية. هذا يهودي اسرائيلي يقول لنا صراحة ان «خريطة الطريق» ليست سوى وهم، فكيف وعلى اي وجه تتقبلها القيادة الفلسطينية وتأخذ شروطها مأخذ الجد بل وتشرع في تطبيق ما يقترح على الجانب الفلسطيني دون ان يعلن الطرف الاسرائيلي على الجانب الآخر حتى مجرد الاستعداد المبدئي لتطبيق اي شرط مقترح عليه؟ ابتداء فإن الاهداف الموضوعة في المشروع يمكن ان تعتبر ـ بغير قليل من التفكير الرغبوي ـ ايجابية وهي: وضع نهاية للاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وانشاء الدولة الفلسطينية المستقلة جنباً الى جنب مع الدولة الاسرائيلية.. ومن ثم بعد ذلك احلال سلام فلسطيني اسرائيلي يعقبه احلال سلام سوري اسرائيلي. هذا ما يبدو من الوهلة الاولى.. ولكن مع التدقيق في تفاصيل الخطة نكتشف أولاً ان هناك فجوة كبيرة في تعريف الاهداف. فالوثيقة لا تذكر لنا حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، لا صراحة ولا ضمنياً. وهذا لوحده يكفي لبطلان المشروع برمته..خاصة اذا اخذنا في الاعتبار ان ارييل شارون يتحدث عن «دولة فلسطينية» على 40 في المئة فقط من الاراضي المحتلة ـ اي ما يعادل تسعة في المئة فقط من فلسطين التاريخية التي كانت تحت الانتداب البريطاني. فهل تؤدي هذه الرؤية الى اي سلام؟ الوثيقة مقسمة الى مراحل. ويتعين على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي تنفيذ التزامات معينة في كل مرحلة. وعند نهاية كل مرحلة ينبغي ان تقرر اللجنة الرباعية ما اذا كانت الالتزامات قد نفذت بالكامل قبل الدخول في المرحلة التالية. وهكذا في النهاية يأتي السلام المنشود. لكن هذا التمني لا ينسجم مع الواقع.. وهو يطرح اسئلة بأكثر مما يعطي اجوبة. في مقدمة هذه الاسئلة: كيف تصل اللجنة الرباعية الى اي قرارات؟ ان المفترض ان الوسيلة هي اغلبية الاصوات. وعلى اساس هذا الافتراض ينبغي ان تكون عملية اتخاذ القرار سهلة وبسيطة، فبينما ان الولايات المتحدة تنحاز الى اسرائيل فإن الاتحاد الاوروبي وروسيا مقبولان لدى الجانب الفلسطيني. اما ممثل الامم المتحدة فسيكون له صوت الترجيح. لكن الواقع يقول بغير ذلك. فوفقا لوثيقة خريطة الطريق فإن على اللجنة ان تتخذ كل قراراتها بالاجماع. ومعنى ذلك ان لدى الولايات المتحدة «كما لدى الاعضاء الآخرين» حق الفيتو، وهذا يعني بدوره تلقائياً ان لدى شارون حق الفيتو وان لم يكن عضواً. والخلاصة اذن هي انه دون موافقة اسرائيل لن تتمكن اللجنة من اتخاذ اي قرار عملياً. ألا يكفي ذلك وحده لاعتبار اللجنة ميتة حتى قبل ان تولد؟ وثمة تساؤل ثانٍ: متى تفرغ اللجنة من مهمتها في كل الاحوال؟ ليس هناك جدول زمني محدد بصورة قاطعة. وعلى اية حال فإن تجربة اوسلو اثبتت ان اسرائيل لا تلزم نفسها بأي موعد لا يناسب اجندتها. واجمالاً فإن بنود الوثيقة ليست مبنية على توازن بين ما هو مطلوب من الجانب الفلسطيني وما هو مطلوب من اسرائيل. فالفلسطينيون مطالبون بالقاء السلاح وتصفية المقاومة المسلحة نهائيا. ولكن المطلوب من اسرائيل في المقابل ليس اكثر من سحب القوات الاسرائيلية، ليس من الاراضي المحتلة كلها، وانما الى المواقع التي كانت عليها قبل اندلاع الانتفاضة في عام 2001. ورغم ذلك فإن هذا الانسحاب المحدود أمر مشكوك فيه. خريطة الطريق لن تقود اذن في افضل الاحوال إلا الى طريق مسدود.. أو على الاقل مجهول.

Email