آخر الكلام ـ يكتبها: مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 يبتدع الناس أساطيرها كما تبتدع جبابرتها وتختار الناس ما تحبه وما تكرهه وما تسخر منه وما ترفعه الى منصة القلب، وما تدوسه تحت الاقدام، هم الناس هكذا حينما يتصرف اللاوعي بمنطقياته وبفطريته وباستجاباته الشرطية واللاشرطية في محاولات الدفاع عن الذات. والعرب اليوم أكثر الشعوب ممارسة لهذا النوع من الدفاعات غير المباشرة لأنهم يتعرضون لضغوط كبيرة وصريحة من بينها انهم صاروا مهددين بالغزو في أي لحظة من القبيلة التي جاءت من بعيد وأناخت عيرها في حواضرهم وبواديها. يمارس العرب الهرب من الواقع بالأسطورة، ورغم ان فلاسفة العصر قد تحدثوا عن تخلي انسان العصر عن انتاج الأسطورة، الا ان العرب يبدو انهم سيخالفون هذا الاستنتاج وها هم يفعلون. ولكن أي نوع من الاساطير يصنعها العرب هذه الايام؟ الاجابة عن السؤال تخفي ملفا سريا وللغاية جدا، لأنك لو أردت الكشف عن اسماء ابطال الاساطير ستقع في المحظور، ولو اردت ان تردد مقاطع الأسطورة فستكون قد قدمت نفسك للعنة الفورية، ولكن يمكنك ببساطة ان تتحدث عن هوامش الاساطير والتي عادة ما تضم اسماء وقصصا يقبلها الرقيب العربي. العرب اليوم مهددون بالغزو من القبيلة الاجنبية التي جاءت بعدتها وعتادها، وفي غارتها الاخيرة خلفت وراءها أحداثا وجد فيها العرب تسلية وترويحاً عن النفس في الليالي الحالكة والمتعبة بسبب برد خوفها الشديد. لهذا يعيد العرب اليوم أسطورة ظهور صدام حسين من جديد، وأسطورة المساجين الذين يعيشون على تراب العراق احياء منذ اكثر من ثلاثين عاما يأكلون من لحوم بعضهم البعض، بشر ولا هم بالبشر، يسمع انينهم في منتصفات الليالي حالكة الظلمة. ويعيد العرب ويصنعون أسطورة مضحكة للترويح عن قلق الغزو الجديد في صورة الاعلامي الصحاف، الذي قلب موازين النجومية وسرقها من اشهر لاعبيها.. صار له مواقع على الانترنت مختلفة وبعدة لغات واحدثها موقع عربي خصص كامل حجمه له لتقرأ العناوين التالية: تاريخ الصحاف، تصريحات الصحاف، كاريكاتيرات الصحاف، نكت حول الصحاف، الصحاف بطل العصور، قاموس الصحاف، الصحاف في هوليوود، قال الصحاف اليوم، الصحاف بالصوت والصورة، منتجات الصحاف، قالوا عن الصحاف، والباب الاخير خصص لعنوان كبير يقول: «في حب الصحاف». وليس الصحاف بحامل لأسطورة، ولا صدام ببطل ونجم أسطورة، ولا قبيلة الاجانب التي ضربت بخيامها وخيلها في مضاربنا بأسطورة.. ليست هناك أسطورة في هذا العصر قابلة للاقناع إلا أسطورة واحدة واضحة لا اختلاف عليها. أسطورة الخوف التي تنتج نفسها بنفسها وتنتج على هامش وجودها كل هذا الكم من الحزن وكل هذا الكم من السخرية. ولاننا لا نقود الوعي ولا يقودنا!! halyan@albayan.co.ae

Email