أبجديات ـ تكتبها: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 في كل مرة يخطب فيها الرئيس الأميركي بوش فإنه لا ينسى أن يؤكد على ان العراق تخلص من نظام فاشستي مدمر بفضل القوات الأميركية، وبأن هذه القوات تقوم بواجبها على أكمل وجه في العراق، أما الواجب الذي تقوم به فهو بناء عراق حر وديمقراطي لأن العراقيين يستحقون الحرية، ويستحقون الديمقراطية، هذه الجملة الأخيرة المفعمة بالمثالية والرومانسية كفيلة وحدها لأن تجعل جموع المستمعين من الأميركيين السذج يقفون على أطراف أصابعهم مصفقين حتى تحمر أكفهم من فرط الحماسة!! لكن الرئيس الأميركي الذي يصفه صديقه الحميم توني بلير بأنه (شجاع بما فيه الكفاية وزعيم ليس من الوزن الخفيف) لم يقل لنا في كل خطبه الرنانة كيف سيبني جنوده العظام هذا العراق الحر والديمقراطي ليسلموه للعراقيين الذين يستحقون الحرية بعد كل تلك المعاناة في ظل حكم الديكتاتور صدام حسين؟ لم يقل لنا والوقت يمضي من عمر العراق والعراقيين، ماذا يفعل الجنود الأميركيون في العراق سوى وضع الاسلاك الشائكة واعتقال الناس واطلاق الرصاص حتى على صبية المدارس! فهل هكذا بنى الأميركيون ديمقراطيتهم؟ هناك وطن هائل المساحة، هائل في عدد السكان، هائل في الموارد، ومتفاقم في اشكالياته ومشكلاته واحتياجاته وحتى اليوم لم يحرك الأميركيون ساكناً في اتجاه أي حل لأي اشكالية أو مشكلة، والقضية ليست في توزيع أكياس الطحين وملء الأوعية بالمياه، فهذه يمكن أن تقوم بها المنظمات العالمية المختصة بالشئون الإنسانية، كما يمكن أن تساعد فيها المؤسسات الخيرية العربية، لكن القضية هي بناء العراق الذي دمرته أولاً سنوات الحصار التي تسبب فيها صدام حسين بشكل مباشر والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، وثانياً العراق الذي جاء الأميركيون ليقضوا على البقية الباقية من بنيته وامكانياته تاركينه في مهب المجهول ووعد الزعيم الذي (ليس من الوزن الخفيف)!! يحتاج العراق الى استغلال نفطه بشكل كبير لتوفير السيولة اللازمة لدفع فاتورة الإعمار، وهذا يعني انتاجاً مضاعفاً للنفط لسد احتياجات ومتطلبات الفواتير التي تقدر خلال السنوات الثلاث المقبلة بمبلغ 15 مليار دولار، وذلك لاعادة الخدمات العامة والزراعة والبنى التحتية ومستوى المعيشة إلى ما كان عليه العراق في أواخر سنوات الثمانينيات قبل أن يغزو صدام الكويت ويُفرض الحصار الذي حوّل البلد الأكثر تطوراً في المنطقة إلى ما يمكن أن نقول عنه بأنه شبه دولة وشبه بلد وعلى حافة الانهيار تقريباً، حيث تدنى دخل الفرد السنوي إلى ما دون الـ 70 دولاراً، وعاش معظم الناس على بطاقات الطعام الموزعة من الحكومة!! لقد ضربت حرب بوش العراق مجدداً لتدمر امدادات الغذاء والماء والتيار الكهربائي والطرق والمطارات وشبكات الاتصال، وهذا يعني بحسب صحيفة الـ «هيرالد تريبيون» ان ينفق العراق في عامه الأول على هذه البنية الأساسية ما يقارب 5,2 مليار دولار لاعادة المرافق إلى ما كانت عليه قبل الحرب!! إذن فأين البلد النموذج الذي سيبنيه الأميركيون في العراق إذا كان كل ما سينفق من مليارات سيعيد العراق الى وضعه، إما في سنوات الثمانينيات أو إلى ما قبل الحرب على أقل تقدير!! ثم ان الدعوة التي وجهتها الولايات المتحدة للكثير من الدول وصندوق النقد بشأن اسقاط ديون العراق قد قوبلت بالرفض، وهذا يعني ان العراق ملزم في الفترة المقبلة بدفع ما قيمته 60 إلى 100 مليار دولار على شكل ديون والتزامات لدول وشركات توقف العراق عن سداد أقساطها بسبب الحصار ومحدودية انتاج النفط! إذن فتركة العراق هائلة جداً، وما سينتجه العراق من نفط لسداد كل هذه الفواتير هائل أيضاً وربما أدى الى انخفاض في أسعار النفط أو ربما قاد الى خروج العراق نهائياً من أوبك، وهذه خطورة أخرى أشد.. كل هذا ولا ندري كيف سيبني الأميركيون الديمقراطية وسط هذه الفوضى التي خلفوها؟ Aishasultan@hotmail.com

Email