«الانتصاريون» الاميركيون الجدد.. وخططهم للمنطقة!، بقلم: محمد مشموشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 2 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 3 مايو 2003 ما لم تتغير الحال الاميركية في العراق، فتنقلب رأسا على عقب مثلا وتبدأ واشنطن وقواها المسلحة فيها الغرق في الرمال العراقية المتحركة، فان من يطلق عليهم الآن في الولايات المتحدة لقب «الانتصاريون» سينعمون، ولفترة قد لا تكون قصيرة، بمركز ممتاز في صناعة القرار الاميركي حول معظم القضايا التي تواجهها ادارة الرئيس جورج دبليو بوش في السنة ونصف السنة المتبقية لها في البيت الابيض، سواء كانت هذه القضايا تتصل بالعراق ـ وبالتالي بالمنطقة العربية والاسلامية كلها ـ او بالعالم على اتساعه. و«الانتصاريون» الاميركيون الجدد، وفق توصيف «الواشنطن بوست» لهم، (Triumphalists) هم مجموعة «المحافظين الجدد» الذين سيطروا على مركز القرار في البيت الابيض وفي وزارة الدفاع ومجلس الامن القومي في الفترة ما بين 11 سبتمبر العام 2001 والعدوان الاميركي ـ البريطاني على العراق في 20 مارس العام 2003. ولانهم جوبهوا بمعارضة من نوع ما في الداخل، خاصة من وزارة الخارجية وبعض الاوساط الفكرية والفنية والدينية والشعبية التي حذرت مما بعد الغزو، وكذلك من العالم كله تقريبا بالتظاهرات الشعبية العارمة وبموقف اكثرية اعضاء مجلس الامن من الحرب، فقد اعتبر هؤلاء انفسهم، بعد انهيار النظام العراقي في عشرين يوما من دون ان تتكبد القوات الاميركية اية خسائر جسيمة، وكأنهم فازوا بتاج النصر من دون منازع. وهكذا فبعضهم يمشي الآن مثل الطاووس، كما هو حال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وبعضهم ينظر الى نفسه ويتحدث الى غيره كما لو انه ملك متوج، مثل نائب وزير الدفاع بول فولفوويتز، لكن الغالبية العظمى منهم تعكف على وضع الخطط المقبلة وحتى الخرائط ويكتب عنها ـ ربما ليس بتفصيل كامل ـ في العديد من الصحف والمجلات والدوريات التي يسيطرون عليها والتي كانت تنطق باسمهم في اثناء تحضيرهم المحموم لاجواء الحرب على العراق .. وعلى ما يسمونه «الارهاب» بشكل عام. الحرب الطويلة أهمية، بل خطورة المجموعة، تكمن في ان نظريتها تقوم على قاعدتين: اولاهما، انها في ما يتصل بـ «العصر الاميركي الجديد» ودور الولايات المتحدة على امتداد الكرة الارضية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وبروز «الدولة العظمى الوحيدة في العالم» تغطي المنطقة العربية اولا وقبل كل شيء. وثانيتهما، ان لاسرائيل «التوراتية» التوسعية ـ اي اسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل الى الفرات ـ دورا محوريا في تنفيذ هذه النظرية، ودائما على حساب الشعوب العربية، وحتى على حساب الاسلام كحضارة ودين، والذي ترى المجموعة انه «ليس سوى منبع للارهاب» ضد الولايات المتحدة من جهة وضد الحضارة الغربية من جهة ثانية. قبل الحرب على العراق بسنوات، كانت هذه المجموعة تتحدث عن «الحاجة» الى تغيير النظام العراقي لأسباب عديدة بينها تهديده لاسرائيل وضربها بصواريخ سكود في حرب تحرير الكويت العام 1991، وعن «الحاجة» الى التعامل مع المنطقة الممتدة من موريتانيا في المغرب العربي الى اندونيسيا شرقي القارة الاسيوية وامتداداتها الى ما يعرف بالجمهوريات الاسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي السابق باعتبارها «منطقة العمل» الاميركية في القرن الحادي والعشرين. ووثائقها تتحدث عن ذلك بوضوح وبتفصيل. بين المجموعة، اضافة الى رامسفيلد وفولفوويتز، كل من ريتشارد بيرل الذي اضطر للاستقالة من منصبه كرئيس لمكتب السياسة الدفاعية في البنتاغون بسبب فضيحة مالية الا انه لا يزال عضوا فاعلا فيه، نائب وزير الخارجية جون بولتون، آرون فريدبيرغ استاذ العلاقات الدولية في جامعة برينستون، مايكل ليدين الاستاذ المحاضر في معهد انتربرايز الاميركي» American Enterprise Institute ، بيل كريستول رئيس مؤسسة الابحاث التي تحمل اسم «مشروع العصر الاميركي الجديد» Project for the New American Century ، لويس ليبي رئيس الاركان لدى نائب الرئيس ديك تشيني، لورنس كابلان رئيس تحرير مجلة» The New Republic ، ايليوت كوهين المحاضر في جامعة جون هوبكينز، ايليوت ابرامز المسئول عن ملف الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي، دانييل بايبس مدير ندوة الشرق الاوسط، وغيرهم. واضافة الى المجلة التي يرأسها كابلان، تملك المجموعة عدة مواقع على الانترنت لتسويق نظرياتها الاستراتيجية ودورية باسم The Weekly Standard فضلا عن العديد من الندوات السياسية والفكرية التي تعقدها والدراسات والكتب التي تنشرها. لكن بماذا تفكر هذه المجموعة بالنسبة لمرحلة ما بعد الحرب العراقية - ان بالنسبة للعراق نفسه، او بالنسبة للعالم العربي، وحتى العالم الاسلامي على اتساعه ؟!. في افتتاحية العدد الاخير من مجلة « The Weekly Standard ، على سبيل المثال، دعوة ملحة للادارة في البيت الابيض لاستخدام «النفوذ الذي اكتسبته من الانتصار» عن طريق تفعيل «الرافعة السيكولوجية» التي بناها ذلك النصر، ولكن هذه المرة ليس عبر الوسائل العسكرية. كيف ؟! في كتابهما الذي يحمل عنوان «الحرب على العراق»، والذي صدر قبل بدء العمليات العسكرية في العشرين من مارس الماضي، قال كريستول وكابلان صراحة وبالحرف: «ان المهمة تبدأ في بغداد ولكنها لا تنتهي هناك». اما مايكل ليدين، الذي للمناسبة كان مستشارا لمجلس الامن القومي في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان، فيذهب ابعد من ذلك ليقول ان الحرب على العراق «لم تكن الا معركة واحدة في حرب طويلة ... حرب اقليمية»، اشارة منه الى المنطقة العربية كلها. الذرائع والأهداف لكن ايليوت كوهين، الذي تصفه صحيفة «لوس انجليس تايمز» بانه ذو نفوذ واسع جدا داخل دوائر «المحافظين الجدد»، لا يقف حتى عند هذا الحد.يقول كوهين ان هجمات 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن، والحرب على افغانستان، والحرب على العراق واسقاط صدام حسين «ستبدو جميعها في يوم من الايام باعتبارها معارك في الحرب العالمية الرابعة» على اعتبار ـ من وجهة نظره ـ ان الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي كانت عمليا هي الحرب العالمية الثالثة. هذه الحرب، بما فيها من اتهام للمتطرفين الاسلاميين بأنهم كانوا وراء احداث سبتمبر في اميركا، واتهام لافغانستان بانها كانت تؤوي تنظيم «القاعدة» الاسلامي المتطرف، واتهام للعراق بانه كان على علاقة بالتنظيم وبان لديه اسلحة دمار شامل قد يستخدمها هو من ناحية وقد تصل الى عناصر القاعدة او غيرهم من ناحية ثانية، هي في المحصلة ـ من وجهة نظر مجموعة «المحافظين الجدد»ـ حرب على «الارهاب» الاسلامي اولا وقبل كل شيء.وهذه الحرب هي التي يصفها هؤلاء بأنها «الحرب التي تستمر لاعوام عديدة .. والتي سيتم القتال فيها على جبهات عديدة وبأساليب مختلفة، بعضها عنفي طبعا لكن بعضها سلمي كذلك». دانييل بايبس، الذي رشحه بوش في المدة الاخيرة لتولي رئاسة «مجلس السلام الاميركي» خلفا لرئيسه السابق الافغاني خليل زلماي زاده، واحتجت الجالية العربية عليه بسبب علاقته المباشرة والمتينة باسرائيل وبتكتل «ليكود» اساسا، يحدد المهمة بتفصيل اكثر. يقول بايبس: لقد قاتلنا الايديولوجيات التوتاليتارية مرتين في الماضي .. النازيون هزمناهم بالحرب المسلحة، والشيوعيون هزمناهم العام 1991 من خلال وسائل مركبة غير عنفية .. وهذه الحرب ستكون مزيجا من الاثنين معا. هنا مربط الفرس، كما يقولون في الامثال، ليس في سياق الحرب النفسية التي بدأت فعلا ضد سوريا وايران منذ اللحظة التي سقطت فيها بغداد في ايدي القوات الاميركية، وانما ايضا ضد فلسطين ومصر والسعودية ودول الخليج العربية الاخرى .. وان لم تبدأ الحرب العلنية ضدها للآن. في احدى دراسات المجموعة قبل فترة ورد ما معناه ان الحرب على العراق هي «الذريعة»، وان السعودية هي «الهدف»، وان «الجائزة» في نهاية المطاف هي مصر. هل نحن الآن امام المرحلة الثانية من الخطة؟! ـ كاتب لبناني

Email