الى اللقاء، بقلم: حسين درويش، موتوا قهراً

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 2 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 3 مايو 2003 يميل كثير من الناس إلى الاعتقاد أن مناسبة «عيد العمال العالمي» هي تقليد شيوعي للاحتفال بالطبقة العاملة التي كان لها الدور الفاعل مع طبقة الفلاحين في تعزيز الاشتراكية ونقل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج إلى ملكية عامة وتحقيق العدالة الاجتماعية. لكن التاريخ الحقيقي لهذه المناسبة التي يحتفل بها مطلع مايو من كل سنة هو العام 1875 حين أضرب العمال في شيكاغو بالولايات المتحدة وامتدت تلك الاضرابات لتشمل عدداً كبيراً من المدن الأميركية وتخطت البحار لتصل إلى أوروبا وتشل حركة الموانيء والقطارات وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، وكان مطلب العمال آنذاك هو تحسين مستواهم المعيشي عبر زيادة الأجور وتوفير الضمانات الصحية والاجتماعية، وقد تمخضت فكرة نقابات العمال في كل مكان لتصبح مرجعاً ضمانياً لحقوق الطبقة العاملة. وهذا يعني ان هذه المناسبة التي يحتفل بها العمال في مناطق واسعة من العالم قد ولدت في بلد رأسمالي قبل أن تقوم الدول الشيوعية وتطرح فكرة الأممية العالمية. وبمرور الوقت صار هذا التقليد شأناً للناس الطبقيين يحتفلون به عندما كانت مفاهيم العدالة على سروج خيلها، وكان يتم تكريم العامل النشيط وزيادة أجور العمال وترقية بعضهم وتسمية قطاعات مهمة من معاملهم بأسمائهم إلى تلك الدرجة التي أصبح فيها «عيد العمال العالمي» عطلة رسمية في عشرات الدول تُلقى فيه الخطب وتقام الاحتفالات الشعبية وتنظم فيه المسيرات، وعلى ذكر المسيرات التي باتت روتيناً حكومياً في معظم الدول التي نهجت النهج الاشتراكي كانت تنطلق جموع العمال من أمام المصانع حاملة اللافتات والشعارات العملاقة وجميعها تصب في جملة «عاشت الطبقة العاملة»، لكن أي عيش كانت تعيشه وما زالت تعيشه تلك الطبقة، فقد كان اليأس يعلو وجوه حاملي اللافتات بلحاهم النابتة وثيابهم الزرقاء التي غاب لونها بفعل الغسيل الرخيص وأبدانهم المتعبة، وعيونهم الغائرة التي هدّها تعب الجري خلف لقمة العيش ليحققوا ما سعى إليه أسلافهم ـ العدالة الاجتماعية والعيش الكريم. لقد فقدت هذه المناسبة بريقها منذ سنوات، وغاب مفهومها ورمزها الاحتفالي في ظل غياب الفرص الجيدة لعيش آمن ومطمئن، وذهبت طي النسيان جميع المراسيم التي صدرت لصالح هذه الطبقة وصار رئيس المعمل يحظى بالتكريم، وقائد قطاع الخدمات ينال الأوسمة، وبعض قادة النقابات يفوزون بسيارات الحكومة ومخصصاتها من البنزين والزيت، بينما الطبقة الكالحة الثياب ما زالت تجري في المسيرات حاملة لافتاتها وهي تنشد «عاشت الطبقة العاملة». هذه مناسبة أخرى تضاف إلى عشرات المناسبات التي قتلتها دورة الروتين وداست عليها الانتهازية، وإذا لم يعلن إلى الآن موت هذه المناسبة، فعلى الأقل أُجِّل دفنها ولعلها تنتظر رصاصة الرحمة من مغامر أو أفاق يعطيها اسماً آخر يكون «عيد البؤس العالمي» بدلاً من عيد العمال العالمي، وليصبح شعارها بدلاً من «يا عمال العالم اتحدوا» إلى «يا بؤساء العالم موتوا قهراً». Email: h-s-d@maktoob.com

Email