أبجديات، بقلم: عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 2 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 3 مايو 2003 كيف ينظر فلسطينيو الداخل إلى (إنجاز) وطني أقرب إلى الوهم كتشكيل حكومة السيد أبومازن أول رئيس لوزراء السلطة الفلسطينية؟ كيف ينظرون إلى دولة، ورئيس دولة، ورئيس مجلس وزراء، ووزراء في غاية الأناقة وسيارات سوداء لامعة وخطابات مدججة بالكلمات الكبيرة جداً، وبالتنازلات الأكبر، بينما الشعب يقتل في وضح النهار، الأطفال يستحمون في بحيرات من دمائهم، والشباب يصطفون في طوابير الشهداء بانتظار التشييع والجنازات المكشوفة، أي سلطة وأي إنجاز وطني؟! لم يكد يمر يوم واحد على تسلّم رئيس مجلس الوزراء الاسرائيلي شارون خارطة الطريق، حتى صار وكأنه قد تسلّم ارشادات أميركية جديدة لاغراق الأحياء الفلسطينية في المزيد من حمامات الدم، والمزيد من مشاهد القتلى، ونسف المساكن، وتشريد المدنيين.. فهل كانت خارطة الطريق الأميركية دليلاً رسمياً كان ينقص شارون ليمارس هوايته المفضلة في المخيمات الفلسطينية؟ اليوم صارت الصورة أكثر وضوحاً من ذي قبل، شارون يبحث مع مسئول أميركي جاء سراً إلى تل أبيب لينسق المطالب الأميركية ـ الاسرائيلية في صيغة واحدة خلاصتها صرخة شارون بعد مجزرته الأخيرة في حي الشجاعية حين أعلن: «لن أقبل بأقل من اجتثاث المقاومة الفلسطينية حتى آخر رجل» وهو نفسه المطلب الأميركي، ما يذكر باحدى مقولات الهالكة غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني في الستينيات حين كانت تردد «إن أسوأ ما يمكنني سماعه هو نبأ ولادة طفل فلسطيني»! لكن الأطفال الفلسطينيين سيولدون على الدوام ليدقوا مسامير نعوشكم حتى آخر صهيوني في أرض الاسراء. اليوم صارت الصورة أكثر سخرية من ذي قبل، فالامبراطور التكساسي يعلن انتصار قواته في العراق من على ظهر حاملة الطائرات العملاقة (ابراهام لنكولن) وهو في أوضح حالات الزهو والانتشاء يفاقم نرجسيته ذلك التصفيق المتواصل الذي صار سمة من سمات خطابات السيد بوش وهو يعلن انتصاراته على الديكتاتورية وعلى الذين كانوا يهددون قيم أميركا الساعية للخير والديمقراطية! اليوم صارت الصورة أكثر سواداً من ذي قبل، فما عدنا نفرِّق بين جنود أميركا وجنود جيش شارون وهم يصوبون رشاشاتهم باتجاه العربي الثائر الرافض والممتد صرخة في وجوههم من مدن العراق في أقصى الجنوب إلى مخيمات فلسطين في غزة والضفة، ما عدنا نفرِّق، فالوجوه نفسها، والرشاشات والمعدات الثقيلة، والحركة التي تشي بالغرور والغطرسة والكراهية، ما عدنا نفرِّق، فلدى الجنود المدججين بفائض القوة الأوامر نفسها بقتل كل عربي مناهض للديمقراطية على الطريقة الأميركية! هل منكم من يفرق بين رائحة الموت المتمددة في مدن العراق، حيث يسكن العرب تحديداً والمسلمون تحديداً، ورائحتها في مدن وقرى ومخيمات فلسطين؟ هل صرتم تميزون في نشرات الأخبار وصور الصحف إن كان هذا الطفل المسجى في غياهب الموت سابحاً في دمه وقهر أمه وأبيه عراقياً أم فلسطينياً؟ هل صرتم تميزون بين قاذفي الحجارة من شباب جنوب العراق وأولئك الثائرين منذ الأزل في زوايا المخيمات؟ هل تتعرفون بسهولة على الجثث المسجاة في التوابيت المكشوفة وأدراج ثلاجات المشافي بين الشهيد العراقي وأخيه الفلسطيني وسفاحي تل أبيب! كنّا في نكبة، صرنا في نكبتين، وكانت قلوبنا تنزف في جهة، صارت تنزف في جهتين، كنّا نكتب تاريخ وطن محتل، صار علينا تحرير وطنين.. هل سنقدر أم اننا في انتظار الآتي.. نعد مراثينا.. نجهِّز شهداءنا.. ونذرف دمعتين؟!

Email