ترف الخلافات العربية، بقلم: عبدالله اسحاق

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 2 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 3 مايو 2003 بدأ تصاعد الخلافات العربية، بأشكال شتى وعلى مستويات مختلفة رسمية وغير رسمية، كواحدة من أبرز النتائج التي اسفر عنها غزو العراق ثم احتلاله من قبل الامبراطورية المنفلتة وحليفتها المتصابية. ولم تكن الخلافات غائبة أو جديدة على الساحات العربية، السياسية والثقافية والاعلامية.. وغيرها، فقد أصبحت هذه الخلافات منذ فترة طويلة واحدة من أبرز الأورام الخبيثة التي ابتلي بها جسد هذه الأمة المعتل والمنهك، وبسبب ابنائها قبل الاعداء! وليس غريبا ان يحدث زلزال ضخم بهذا المستوى وعلى هذه الصورة، كما حدث في العراق، جدلا واسعا واختلافا في الرؤى والتقييمات لما حدث أو لتداعياته الراهنة والمستقبلية. غير ان المثير للسخرية المهينة، اكثر من كل دواعي الاهانات والاحباط الاخرى، هو تعدي هذه الخلافات وتجاوزها للأهم والمهم إلى أمور جانبية، ورفعها الى مستوى «مالئ الدنيا وشاغل الناس»! وكأن هذه الأمة المكلومة في ماضيها وحاضرها والمغيبة عما يحاك لمستقبلها، ليس لديها ما يشغلها سوى المهاترات والملاسنات والمضاربة في بورصات الغمز واللمز والقدح والتجريح!! ألهذا الحد وصل استرخاص الأمة لذاتها واستهتارها بقضاياها ومصيرها؟ أم ان أوراق اللعبة التي كشف بعضها على شاشات التلفزيون، لا تقتصر فقط على مجموعة الـ «55» وانما تشمل رؤساء وأسماء أخرى (فضلاً عن دول وشعوب على القائمة)، ليس لأن لها علاقة مباشرة مع تلك المجموعة او سوابق مثل سوابقها، بل لأنها لا تزال تحتفظ ببعض المناعة الفكرية والأخلاقية وترفض، ولو لفظياً منطق الخنوع والاستسلام؟! ان هذا «الترف الهزلي» الذي يتقاذف به العرب، دولاً وتيارات وافراداً محسوبين على النخبة الفكرية والثقافية او الاعلامية، لا يرقى حتى الى مستوى المهزلة او «المسخرة»، ولو من نوع «شر البلية»! فالبلاء الحقيقي هو ان تتلهى الأمة و«نخبها» بمثل هذه التفاهات، بينما هي تعاني من قصور ذاتي في مختلف المجالات، وتخضع، طائعة او مرغمة، للاحتلال الأجنبي الفعلي او بحكم الواقع المحيط ومحاصرة الارادة والقرار السياسي والسيادي. قد يقول البعض ان هذا الكلام ليس اكثر من لغط في اطار «التفسير التآمري» للأحداث والوقائع، وقد يذهب آخرون أبعد من ذلك متسائلين عن أية أمة نتكلم؟ وهل هناك أمة عربية حقاً؟! وقد يكون لهذا المنظور ما يبرره، من منطلق الاحباط وفداحة المأساة، الا انه بغض النظر عن «نظرية المؤامرة» وتفسيراتها، فإن الواقع الماثل أمامنا وما تكشف من حقائق الماضي القريب والبعيد، كل ذلك لا يترك مجالاً حتى للمؤامرة ونظريتها (ان جاز ان نعتبرها نظرية)، فكل شيء اصبح واضحاً ومعلناً ولم تعد هناك حاجة لإخفائه او التستر عليه، فاللعب اصبح مكشوفاً بكل اهدافه وادواته، خلافاً للمؤتمرات التي تقتضي السرية والتمويه. اما الجدل حول وجود «امة عربية» او عدم وجودها، فقد اصبح هو الاخر نوعاً من «الترف الهزلي»، فلم تعد العبرة بما يراه او يعتقده سكان هذا الحيز الجغرافي الذي يسميه البعض «الوطن العربي» أو العالم الاسلامي، من انهم يمثلون وحدة بشرية متكاملة او متنافرة. وانما الاهم ان الآخرين يتعاملون معهم، بشرياً وجغرافياً، على انهم وحدة واحدة ويخططون لهم ثم ينفذون خططهم على هذا الاساس. فهل ترتقي الامة ونخبها الى مستوى المخاطر والتحديات، ام تستمر في الانتحار الذاتي وتبقى عبئاً على التاريخ؟!

Email