أبجديات، بقلم: عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 3 صفر 1424 هـ الموافق 5 ابريل 2003 على ضفاف نهر البوتامك في العاصمة الاميركية واشنطن انهمرت سيول الاميركان المتنزهين في متنزه التذكارات كما يطلق عليه، انه موسم جميل جداً، حيث تتفتح زهور أشجار الكرز هناك معلنة موسماً خرافياً لجمال ولا أبهى، مذكراً بأشجار الكرز الشبيهة في اليابان، ومنبهاً الذاكرة لحوادث مأساوية حفرت جراحاً في الذاكرة لا يمكن أن تندمل. أعرفه جيداً، ذلك المتنزه، فلقد مشيت فيه لسنوات طويلة، ولكنني عندما تابعت أحد التقارير الاخبارية مساء الأمس شعرت بكراهية غريبة لكل ما يمت الى هناك، الى العاصمة التي جاءتنا بشرها وحقدها تناصبنا العداء دونما سبب أو ذنب وتعلن كراهيتها لنا أرضاً وأجيالاً وحضارة ومستقبلاً، شعرت بالغصة وأنا أتابع جموع الأميركان يتنزهون جيئة وذهاباً مع ابنائهم في سعادة ظاهرة، بينما يلوح في البعد نصب الرئيس الاميركي ابراهام لينكولن والرئيس جيفرسون، ومبنى الكونغرس وفي مكان ما هناك إذا سرت متمهلاً ستفاجئك لوحة الرخام الهائلة المكتظة بأسماء ضحايا حرب فيتنام من المفقودين والقتلى! كان مذيع الفضائية العربية الذي يعد التقرير عن موقف الأميركان من الحرب يسأل سؤالاً واحداً للجميع: ما رأيك فيما يحدث في العراق؟ وكان الأغلب الأعم يجيب: نحن ندعم جنودنا في مهمتهم العظيمة التي ذهبوا للقيام بها.. انهم يحررون العراق من صدام حسين، عدو العراقيين، وعدو الأمة الأميركية!! لا يهمنا رأيهم في صدام على الاطلاق، فقد قال فيه العراقيون رأيهم، وقال فيه التاريخ رأيه أيضاً، لكن ما يهم فعلاً هذه السذاجة العجيبة التي يتعامل بها الأميركان مع هدف الحرب وقناعتهم بنبل الهدف وعظمة المهمة! انهم أسرى الصورة والخبر، وخطابات السيد الرئيس ورجاله الذين صبوا في رؤوس الأميركان خرافات التوراة والانجيل حول المهمة الرسولية التي تؤديها أميركا في العراق ما يستوجب الصلاة للجيوش والجنود! انهم يتنزهون مع ابنائهم بسعادة ومرح في أجمل أماكن الدنيا، ابناؤهم على الاعناق وفي القلب، بينما ينام العراقيون على الموت ويصحون على الدمار، يغمضون أعينهم على القتلى، ويفتحونها على رحيل فلذات القلب وأحباب العمر، يمضغون القهر والاهانة على يد الجنود الأميركان، ويمشون نحو حتفهم الذي رسمته لهم أميركا المخلصة والمحرِّرة، وبينما شعبها ينام قرير العين، يدفع العراقيون حياتهم ثمناً زهيداً لهدوء هؤلاء القاطنين أقصى بقاع العالم، فأي مفارقة وأي ظلامية تجتاح العالم؟ وحده جابر عبيد المذيع المتألق في قناة أبوظبي كان بلسم الجراحات، وقطرة الندى الجميلة التي انسكبت على أرواح الكثيرين، حينما ظهر على الشاشة معلناً وصوله الى العاصمة العراقية بغداد عن طريق عمان مساء أمس في مسيرة استغرقت 800 كيلومتر وفي طريق طويل قال بأنه كان خالياً من تحكمات الجنود الأميركان.. في كل ما قاله جابر كانت عبارته الأبقى: «هناك 10 ملايين أذن، و10 ملايين عين في بغداد تترقب وصول الأميركان، الكل يحمل السلاح، الطفل والمرأة، والرجل الشاب، والمسن، الكل مستعد لخوض حمام الدم من أجل ألا تسقط بغداد.. لا أدري كيف سيدخل الأميركان حقاً الى بغداد»؟! هكذا أنهى جابر حديثه! هل سيلجأ الاميركان للقنبلة الذرية أو النيتروجينية الماحقة لاسقاطها على بغداد، فيما لو فقدوا صبرهم في النهاية؟ ستكون هزيمتهم الأكيدة لو فعلوا ذلك ـ هكذا يقول المحللون ـ ان بغداد ستغرق في بحر من الدماء، لكنها لن تنتهي بقنبلة هيروشيما! فماذا يقول الصحاف يا ترى؟!

Email