سهام التراشق عبر الأطلسي، بقلم: محمد الخولي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس غرة صفر 1424 هـ الموافق 3 ابريل 2003 ما أبعد اليوم عن البارحة.. خاصة إذا كانت هذه البارحة تنتمي إلى زمن بعيد ولو نسبياً.. ها هي الخلافات تحتدم بين أوروبا وأميركا إلى حد يشبه اليوم تراشق الاتهامات عبر المحيط الاطلسي، تنطلق سهامها جيئة وذهابا، وخاصة بين برلين وباريس بل ولندن من جهة وبين نيويورك والعاصمة واشنطن من جهة اخرى. أين هذه الشقة من الخلاف المحتدم وبين ما قرأه دارسو الأدب المكتوب بالانجليزية وخاصة عند مغيب القرن التاسع ومع مطالع القرن العشرين؟.. هو العصر الذي سادت فيه ابداعات وأقلام شعراء كبار نشأوا في أميركا ولكن ذاع صيتهم واستطارت شهرتهم في أوروبا مثل عزرا باوند وتوماس اليوت.. اضافة الى روائيين كبار أيضا كان منهم فرجينيا وولف وهنري جيمس. كتب جيمس رواية بعنوان «السفراء» وتدور حول التقليد الذي كانت اميركا تتبعه منذ مئة سنة أو يزيد من عمر الزمان المعاصر (يعني نصف عمرها كدولة وكيان سياسي) كان هذا التقليد يقضي بأن تبادر العائلات الموسرة في أميركا وكان معظمهم من اصحاب احتكارات الصناعة ورؤوس الأموال ـ إلى أرسال بل ايفاد ابنائها إلى «القارة» ـ كما كانوا يسمون أوروبا من أجل أن يعيشوا ردحاً يطول ويقصر من الزمن يتعلمون في غضونه فن التعامل والذوق والكياسة الاجتماعية ويثقفون فيه ما سبق ووعته أوروبا ـ فرنسا بالتراث ـ من ضروب الفكر والثقافة والفن والابداع. من الجهامة الى الفن كانت تلك محاولة أميركية لاستكمال الجاه المتولد من رأس المال الصناعي في بيئة انجيليكانية شديدة الجهامة والجفاف ـ بزاد من اقباس الحياة في باريس أوروبا أو فلورنسة يتعلم فيها الشباب الأميركي ـ السفراء في تعبير رواية هنري جيمس فن الحياة بكل ما تعد به من ذوق راق وابداع رفيع. ولكن ألامور تغيرت كثيراً بين أوروبا ـ الأم التي ابدعت عبر عصور النهضة التي عاشتها على امتداد خمسة قرون وبين أميركا ـ الابنة محدثة النعمة التي قطعت ولاشك خطوات مشهودة، بل اشواطا يعتد بها في مضمار التقدم المادي والثراء العريض. لقد اوقعت أوروبانفسها في براثن حربين عالميتين انهكت فيهما قواها ودمرت الامبراطوريات التي كانت تعيش على رفعتها.. وفي كل مرة كان الطرف الفائز غير المثخن بجراحات الصراع هو الابنة «الفالحة» ـ الولايات المتحدة الأميركية. في نهاية الحرب العظمى الأولى ذاع صيت أميركا عندما أعلن رئيسها الأكاديمي السبق ودرو ويلسون المباديء الاربعة عشر الشهيرة عن حق الشعوب في تقرير المصير صحيح ان الرئيس الأميركي قال بتعميم هذا الحق العظيم لكل أو فلنقل لاغلب شعوب الأرض.. فيما أنكر حق تقرير المصير على شعوب الأمة العربية لكن الناس تجاوزت عن هذا.. التجاوز وحمدوا لرئاسة أميركا انها نادت بمباديء جليلة وانها على الأقل لم تشارك أوروبا في حركة المد الاستعماري المقيت. ثم الحرب العالمية الثانية ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية وكان ان طحنت في آلتها العسكرية الرهيبة كل مقدرات أوروبا فيما ظلت الولايات المتحدة على حياد مترقب تنعم بما حققته سياسة رئيسها روزفلت التي عرفت باسم الصفقة الجديدة (نيو ديل) من رخاء وازدهار وحين دخلت أميركا الحرب بعد تحطيم اسطولها في واقعة بيرل هاربور الشهير عام 1941 ـ دارت بذلك عجلة الصناعات الحربية وحققت دوائر الانتاج للمجهود الحربي مزيدا من الازدهار ومن ثم خرجت اميركا من الحرب الثانية عام 1945 بوضعها الرابح الأكبر سواء من الناحية المادية مما اتاح لها تمويل مشروع مارشال لاعادة تعمير أوروبا وايضا ـ وهذا هو الأهم ـ من الناحية المعنوية بوصفها رائدة الحرية وفائدة معسكر الليبرالية في غرب العالم. ولان الاميركيين قوم برغماتيون بمعنى عمليين وبمعنى انهم يعتمدون قاعدة خذ وهات وان لاشيء يقدم مجانا.. فقد عاشوا طيلة النصف الاخير من القرن الماضي وفي وجدانهم هاجساً يقول: ـ ان أوروبا الغربية لابد وان تعبر عن امتنانها لنا مع مطلع كل صباح.. حاربنا معها ضد هتلر إلى ان كسرناه.. واعدنا تأهيل مرافقها المهدومة ومرافق حياتها المدمرة بفضل مشروع مارشال وكفلنا لها أسباب الأمن بفضل حلف شمال الاطلسي (الناتو) ولكل هذا فان لنا في اعناق الجماعة على الشاطيء الآخر من الاطلسي جميلاً لا ينبغي ان ينسى. لكن مياه الاطلسي لا تجرى رخاء ولا تهدأ امواجه في كل موسم. هو محيط تضطرم صفحته احيانا بموجات عالية وعواصف عاتية كان أخرها عاصفة الاستعداد لضرب العراق.. تلك التي هبت على اركان التحالف الغربي الأوروبي ـ الأميركي.. ولم يكن موقعها مياه المحيط بل عربدت رياحها الصرصر العاتية في جنبات القاعة المكيفة الانيقة التي عقدت فيها اجتماعات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. صدمة لأميركا وعندما تكشفت مواقف كل من ألمانيا وفرنسا ازاء معارضة ضرب العراق.. اصيب الأميركيون بما يشبه صدمة التعرف او الادراك. وكأن آمالهم قد خابت ومراهناتهم قد ضاعت عندما اعلنت باريس وبرلين الى جانب دول اخرى بطبيعة الحال معارضتها المبدئية والمنطقية ايضا لغزو العراق.. هنالك بدأ التقليب في دفاتر الاحاسيس القديمة واضابير المشاعر والمدركات والمواقف التي ظلت حبيسة الافئدة والصدور. بعده بدأت الاحاديث تترى عن تلك الهوة الواسعة التي ـ تتسع باطراد ـ لتفصل عبر المحيط الاطلسي بين اهل اوروبا الغربية وبين اميركا ـ السياسة والميديا ومن ثم قطاعات الجماهير التي تسير في خطى الساسة وتتأثر اراؤها وتصاغ اتجاهاتها وسلوكياتها بما تقدمه لها احتكارات الاتصال والاعلام والاعلان. بعدها بدأت تدور عجلة البحوث والدراسات وخاصة في جامعة هارفارد حيث انشآت مدرسة «كلية» كينيدي لاصول الحكم مشروعاً بحثيا عن الصحافة والسياسة والرأي العام.. وفي اطار هذا المشروع قدم ريتشارد لامبرت رئيس تحرير جريدة فايننشيال تايمز سابقا دراسة في الموضوع عرضت لها مؤخراً مجلة نورين افيرز الاميركية «عدد مارس/ابريل 2003» في مقالة اختارت لها عنواناً اقرب الى التهكم او الطرافة فبدلاً من العبارة التقليدية التي تقول ان الامور قد تحسنت بفضل التفاهم بين الطرفين.. فقد اختارت المجلة عنوانا يقول ـ سوء التفاهم ـ بين الطرفين حتى اذاعة لندن وبرغم ان بريطانيا منضوية ـ كما نعلم جميعا ـ تحت لواء اميركا سواء في سياستها بمجلس الامن او في حربها الظالمة على العراق ـ فإن الميديا البريطانية ما برحت تشكل طرفا في الغمز من قناة اميركا بمعنى نقد سياساتها وهجاء ادارتها الحاكمة حاليا في البيت الرئاسي الابيض. حتى اذاعة البي. بي. سي التي تحرص على انطباع الموضوعية او الرصافة المحايدة لا تفوت فرصة ـ كما يقول ريتشارد لامبرت ـ كي تروج لكل صورة نمطية سلبية «ستريوتايب» عن اميركا وعن حكومتها الراهنة. والحاصل ان المسألة متبادلة بين طرفي هذه المعادلة الاوروبية ـ الاميركية عبر المحيط الاطلسي يتضح ذلك على النحو التالي: ـ بالنسبة للاوروبيين جاءت المواقف العدوانية التي يتعامل بها الجناح اليميني في الولايات المتحدة بمثابة صدمة حقيقية ـ كيف لا ومثقفو اوروبا وساساتها يقرأون مقالات بقلم كتاب اميركيين مشهورين تتهمهم بأنهم «صانعو الطغاة» وانهم طالما انتهجوا اسلوب الملاينة او المداهنة والمراءاة ازاء كل ما هو ديكتاتور وعندما اطلق المستشار الالماني شرويدر دعايته الانتخابية على اساس معارضته حرب العراق، سارعت اركان التحالف اليميني ـ الصهيوني في الولايات المتحدة الى رفع شعار مضاد سوقي ورخيص في رأينا يقول ـ اضبط.. هذا عداء للسامية. ولم يتورع مورتيمر زوكرمان وهو رئيس واحدة من اهم مجلات اميركا ـ يو اس نيوز عن ان يكتب افتتاحية يسب فيها اوروبا قائلاً: اوروبا اصيبت بالمرض من جديد.. وذكرى 6 ملايين يهودي لقوا مصرعهم لم تعد ـ على ما يبدو ـ عقاراً يحصن اوروبا ضد الاصابة بفيروس كراهية اليهود (معاداة السامية) ـ تلك الموجة (الوباء) التي فاقت الى عقيدة اخرى في أوروبا من حيث قوتها وتحيّزها ودوامها: لقد جاءت الفاشية وذهبت.. وجاءت الشيوعية وذهبت.. وجاءت كراهية اليهود فبقيت ولم تذهب.. بل ها هي الان وقد استعادت عافيتها. رأي كاتب صهيوني ثمة كاتب اخر ـ يهودي صهيوني هو ويليام سافاير وهو الذي جعل قصارى همّه في عموده الصحفي تحريض الرئيس بوش على ضرب العراق. يلفت النظر بل يستوجب التأمل ان بدأ هذا التحريض بعد ايام قلائل من احداث سبتمبر 2001 ودون سابق انذار. وعندما عارضت كل من فرنسا والمانيا (ومعهما روسيا) صدور قرار مجلس الامن الدولي يجيز او يسوغ ضرب العراق كتب سافاير في نيويورك تايمز قائلاً: ان ثمة بُعداً اخلاقياً (!) تتسم به ضرورة الاطاحة بصدام حسين.. ولكن هذا البعد الاخلاقي لا يهم العناصر النفعية (يقصد الاوروبيين) في مجلس الامن. ولم يكن غريباً ان يعلن وزير خارجية فرنسا، السيد فلبان على هذا المنطق المتمسح في حكاية الاخلاق فإذا به يقول في جريدة «الموند» الفرنسية: اي اجراء يستهدف تغيير النظام العراقي من شأنه ان يتعارض مع قواعد القانون الدولي. وجاءت صحيفة المانية ـ سوديتش زايتونغ لتزيد جرعة التنديد بالاميركان فقالت: اسوأ ما في سياسة اميركا يتمثل في روح الغرور السائدة بين ظهرانيها وفي ذلك التعويل المفرط على الجانب العسكري وفي تجاهل منظومة القيم وآراء الحلفاء.. لهذا كله فإن هذه السياسة لن تدوم. اما مجلة دير شبيجل الالمانية فقد اختارت ان تعبر عن رأيها، ورأي جماهير اوروبية غفيرة برسم كاريكاتوري (نشرته مجلة فورين افيرز) نشرته على غلاف واحد من اعدادها الصادرة في شهر يناير الماضي وفيه يلطخ علم اميركا ببقع متعددة من الألوان بينما يتطاير رذاذ في الصورة يتألف من عبارة تقول: «الدم مقابل النفط: هذا هو في الحقيقة ما يتعلق بأمر العراق». بوش والكاوبوي وليس لنا ان نتصور ان الميديا الانجليزية تشكل استثناء من جميع ما سبق، صحيح ان هناك صحفا انجليزية تحت جناح اميركا ـ جورج بوش ـ الا ان تياراً عريضاً من الميديا الانجليزية مازال حريصاً على ان يعبر عن تيار السخط او الرفض الجماهيري مع هذا الخط السياسي بخاصة وعلى الاندفاع الى حرب العراق وزعزعة استقرار الشرق الاوسط بشكل عام. صحيح ايضاً ان جريدة «صن» دافعت عن الرئيس الاميركي بوش واصفة اياه بأنه «بوش اللبيب» (!) الذي خيب ظنون ناقديه وشانئيه بعد ان رسموا له صورة الكاوبوي الذي يطلق الرصاص اولاً ثم يفكر في الموضوع بعد ذلك ـ لكن ها هي جريدة لندنية مهمة اخرى هي «دايلي ميرور» تحمل بشدة على سياسة الادارة الاميركية تجاه العراق وتحذر بالحرف من ان «ما يقدم عليه الرئيس بوش امر يتسم بالخطر بل والجنون» كما ان استدراج بريطانيا الى محرقة تلك الحرب المجنونة كفيل بأن يلحق ضرراً لا يوصف بهذا البلد (بريطانيا). على الجانب الاخر من الاطلسي.. لاتقصر الميديا الاميركية في رد الكرة الى ملاعب الاصدقاء «الألداء» في اوروبا.. تنشر «نيويورك تايمز» مقابلة مع الرئيس الفرنسي شيراك وهي تلمح الى ان الرجل استاذ في فن سباكة ولكن بأسلوب بالغ الشياكة، وتصف «وول ستريت جورنال» المستشار الالماني شرويدر بأنه كبير المدافعين عن صدام حسين في كل انحاء اوروبا وان معارضته للسياسة الاميركية في العراق اثبتت لكل ذي عقل انه ـ الزعيم الالماني ـ مخادع ولا يستحق الثقة. الهجوم على فرنسا اما «واشنطن بوست» فهي تزيد العيار حبتين كما يقولون، تهاجم الفرنسيين بشدة وخاصة بأقلام ابرز الكتاب الناطقين بلسان الجناح اليميني (بكل نوازعه الامبريالية) في السياسة الاميركية. يكتب روبرت كاجان متهكماً: عندما تقف عجلة المفاوضات وعمليات التفتيش ويبدأ القتال.. تعود القوة العظمى الاميركية في العالم الى حيث تظل قوة عظمى عالمية، فيما تعود فرنسا لتظل، فرنسا (لااكثر ولا اقل). ويكتب جورج ويل: ليس لاحد ان يأخذ الامم المتحدة على محمل الجدية ما دامت تنطوي على ذلك الوهم الذي يقول بأن فرنسا قوة يعتد بها. حتى فريد زكريا ـ الاميركي الجنسية والمنحدر كما يدل اسمه من اصول هندية مسلمة.. لم يتورع بدوره عن السير في موكب الزفة التي تهاجم فرنسا وقد كتب زكريا سطوراً من منطق معايرة كل من باريس وموسكو بمساعدات اميركا لهما خلال الحرب العالمية فقال: ما كان لفرنسا ولا روسيا ان يكون لهما مقعد في مجلس الأمن الا لأنهما انتصرتا في الحرب العظمى منذ 50 سنة. فتح فريد زكريا قوساً بعد هذه السطور ليقول ساخراً (وانا استعمل كلمة انتصار على سبيل التجاوز لدى الحديث عن فرنسا). سلام الشرق الاوسط وسط هذا التراشق بين اوروبا ـ الام او اوروبا القديمة ـ العجوز كما وصفها بالأمس القريب دونالد رامسفيلد وزير البنتاغون الاميركي، وبين اميركا الابنة المتمردة ربما الى درجة العقوق ـ تكتب جريدة «الاندبندنت» البريطانية سطوراً اكثر هدوءاً واعمق موضوعية بالنسبة لتشخيص الاوضاع الملتهبة الراهنة تقول، من شأن الحرب على العراق ان تخلق مئات الآلاف ممن يتطوعون في تنظيم القاعدة وما في حكمه من الجماعات. ولو كنا نريد حقيقة ان نجعل من العالم مكاناً اكثر أماناً وسكينة.. فإن علينا ان نجعل الشرق الاوسط مكاناً اكثر اماناً وسكينة وهذا يعني التوصل الى تسوية دائمة بين اسرائيل والفلسطينيين. كأنما تضع الاندبندنت اصبعها على مكمن الجرح وموضع الشقاق الحقيقي حين تعرض سطورها للشأن الفلسطيني بوصفه قضية القضايا ومحور الاستقرار او زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط.. وربما في العالم، في هذا الصدد يقول ريتشارد لامبرت في دراسته التي نحيل اليها: ربما يكون الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هو اصعب قضايا الاحتكاك في علاقات اوروبا مع اميركا في المرحلة الراهنة. ورغم انه ظل مصدراً للتوتر بين الطرفين على مدى فترة طويلة، الا ان تصاعد موجات العنف خلال العامين الاخيرين بالمنطقة زاد من حدة التوتر المذكور، وقد نشر مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية وصندوق مارشال الالماني استطلاعاً للرأي في خريف العام الماضي كشف عن حقائق لها اهميتها في هذا الصدد كان في صدارتها: ان الاميركيين يشعرون بمزيد من دفء التقارب (والتأييد) بالنسبة لاسرائيل بأكثر مما يشعر به الاوروبيون ـ في المقابل ان التأييد الجماهيري لاقامة دولة فلسطينية اكبر بكثير على مستوى اوروبا كلها عما هو موجود على مستوى الولايات المتحدة. وقد علق على نتائج هذا الاستطلاع الكاتب الاميركي جلن فرانكل في مقالة نشرتها الواشنطن بوست وقال فيها: ان النزاع حول اسرائيل يجلب معه بعضاً من اسوأ التصورات الجامدة.. النمطية والمتحاملة التي تنطلق منها كل من اوروبا واميركا تجاه الاخرى. فالاوروبيون يرون ان ادارة بوش اصبحت اسيرة في يد اللوبي الاسرائيلي واليمين المسيحي وانها بذلك لا يعنيها من قليل او كثير الآلام التي يكابدها الفلسطينيون.. وبعض الاميركيين يفسرون من جانبهم غضب الاوروبيين ازاء (تصرفات) اسرائيل على أنه يرجع في جذوره الى مشاعر معاداة السامية (بغض اليهود) التي مازالت كامنة في نفوس الاوروبيين. سهام عبر الاطلسي ومازالت سهام التراشق الاعلامي والسياسي متبادلة على ضفتي المحيط.. اميركا الحالية لاتتورع عن مخاطبة بلد مثل فرنسا بمنطق الهيمنة وموقف الاستعلاء.. الامبراطوري، في بعض الاحيان ـ وفرنسا تتمسك، بميراثها الرفيع في مجالات الثقافة والفن والقانون وربما تحن ادارة شيراك شخصياً الى ايام الشعور بالكرامة القومية في حقبة الجنرال التاريخي شارل ديغول. وعندنا ان المسألة لم تعد مجرد اثبات الذات ولا صراع شخصيات. على خلفية العدوان على العراق، تصبح المسألة صراعاً بين الحق (حق الشعب المقاوم) وباطل القوة العاتية المغرورة. وان كنت في ريب من ذلك فدونك عشرات.. مئات الملايين التي تملأ ساحات العالم في مدنه وفي اريافه على اختلاف الثقافات والمشارب والاوطان والاديان ـ وكلها تخرج معبرة عن آراء ومشاعر بلغات شتى ولكنها تدور حول معنى واحد هو: لا للحرب.. لا للعدوان. ـ كاتب سياسي من مصر

Email