«البلاي ستيشن» تضرب الجاحظ وأبا العتاهية، بقلم: د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 29 محرم 1424 هـ الموافق 1 ابريل 2003 في مدينة باد شوالباخ الألمانية انعقد مؤتمر ضم سياسيين وبرلمانيين وجامعيين من 45 دولة يوم 23 مارس الجاري، ومن هذه الدول ألمانيا وأميركا وفرنسا والنمسا، ودول من أميركا اللاتينية وكندا وبلجيكا ودول من افريقيا، وكذلك بريطانيا وفنلندا والسويد وسويسرا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا ودول شرق أوروبا.. وفي الحقيقة كنت أنا نفسي مدعوا لحضور المؤتمر وتعذر عليّ الحضور.. وكان المؤتمر يحمل في جدول أعماله موضوعاً واحداً وهو العدوان على العراق. ونظمه بعض أصدقاء قدامى منهم المرشح السابق للرئاسة الأميركية ليندن لاروش وزوجته السياسية الألمانية رئيسة معهد شيلر شوميناد المرشح السابق للرئاسة الفرنسية. وتابعت من بعيد اصداء المؤتمر وبخاصة البيان الختامي الذي صدر عن هذه النخبة العالمية مختلفة الجنسيات والاتجاهات. وقد جاء في البيان تنديد بالحرب العدوانية لأنها خارجة عن الشرعية الدولية ويجب ايقافها لأنها ستتحول الى جحيم إقليمي ودولي. وقال البيان: ان هذه الحرب تعيدنا لعصر قانون القوة أو قانون الأقوى لسحق كل المباديء التي ناضلت الإنسانية على مدى قرون من أجل اعلان شأنها واقرارها في التعامل الدولي. ويؤكد البيان بأن العراق هو أول دولة مستهدفة على قائمة انتظار طويلة يخطط الصقور النافذون في الإدارة الأميركية الراهنة لتركيع المسجلين فيها على مراحل، فيما اصبح يعرف بالحروب الاستباقية أو الحروب الاحتياطية أو الوقائية وهو ما يعني حرفيا البدء بالعدوان دون سبب وجيه ومقنع. ويثير بيان المؤتمر قضية انهيار النظام العالمي القديم المعمول به حاليا والذي نشأت مؤسساته مع نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة مثل مؤسسات صندوق النقد الدولي ومنظمة حلف شمال الاطلسي (ناتو) ومؤسسة معاهدة بريتن وودس المالية.. مما يدعو إلى انشاء مؤسسات جديدة وبديلة تكون متناغمة مع عصر جديد معلن هو عصر المعلومات لخدمة حقوق الشعوب وحقوق الإنسان وحرية التجارة وحرية التعبير والتداول السلمي على السلطة. وجدير بالذكر ان منظمة الأمم المتحدة بشكلها القديم وبميثاقها القديم وبعجزها المتجدد لم تعد قادرة على البقاء.. فقد حولها صقور الإدارة الأميركية الى منظمة اغاثة مثلها مثل الصليب الأحمر. وتعمق المؤتمر في رسم خريطة استراتيجية جديدة للعالم حيث اشار المشاركون الى الجبهة العالمية القوية التي ناهضت الحرب وهي جبهة يوروآسيوية تمتد من فرنسا وألمانيا وبلجيكا إلى روسيا الاتحادية والصين الشعبية أي 80 بالمئة من أمم العالم اليوم تقف ضد حرب جائرة وظالمة ودموية.. يقترح المشاركون في المؤتمر ان يقع تفعيل هذه الجبهة اليوروآسيوية العريضة، لتحويلها إلى عملاق اقتصادي وسياسي يمنع التطرف الأميركي من قيادة العالم إلى الهاوية ويعد عمليات الحرب المبيدة الخارجة عن كل الشرائع والمواجهة ضد شعب بل شعوب قادمة. ويمضي البيان متحدثاً عن النظام الاقتصادي العالمي الجائر الذي تقوده الأمبريالية المتصهينة لتركيع العالم بدءا من الشرق الأوسط. ويعود البيان بذاكرة الرأي العام العالمي لعقيدة او نظرية صدام الحضارات التي هندسها صمويل هنتجتون والتي زجت بالشعب الأميركي في حرب أوهام ضد عدو وهمي بغرض تحقيق أهداف وهمية هي كما يعلن عنها: محاربة الارهاب ونزع اسلحة الدمار الشامل وتحرير الشعوب وتقديم الديمقراطية والحرية والدفاع عن حضارة الغرب.. هذه المصطلحات التي نظر لها صمويل هنتنجتون عام 1993 لتتحول اليوم إلى تجسيد مدمر على الأرض والسماء في العراق بواسطة صواريخ كروز وتوماهاوك وطائرات البي ,52. وهو التقاء غريب بين فتيان أميركان جاءوا من مدن أميركية آمنة وكانوا يلعبون بالبلاي ستيشن تو، ويأكلون همبرغر ماك دونالدز.. إلى صحراء أبي العتاهية والجاحظ والكندي والخوارزمي.. هذا هو صدام الحضارات، بل صدام أجيال مختلفة لا تجمع بينها قواسم ولا تربطها ثقافات ولا تصل بينها لغات. ينادي البيان أيضا بعالم جديد وصحوة جديدة لقيم التعايش السلمي والمحبة رغم الاختلاف والسلام رغم الفوارق في كنف نظام قانون دولي جديد يصاغ بالعدل وبالتنمية الاقتصادية العابرة للقارات وينادي البيان باعادة صياغة برامج التربية وتدريس التاريخ في أميركا نفسها.. لأنها برامج تقدم للشباب الأميركي نظريات خاطئة عن المغامرة الأميركية كأنما هي قائدة العالم وعن الشعوب الأخرى كأنما هي المتخلفة والكارهة لأميركا.. هذه النظرية ايضا اثارها ادوارد سعيد.. نحن إذن في حالة مخاض عجيبة، وما هذه الحرب إلا تدشين لعهد قادم مجهول نأمل نحن العرب ألا نكون ضحاياه الوحيدين! ـ استاذ في قسم الإعلام ـ جامعة قطر

Email