أبجديات ـ تكتبها: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 24 شعبان 1423 هـ الموافق 30 أكتوبر 2002 يبقى الوطن في داخلنا، في حلنا ورحيلنا، يبقى لوننا وهويتنا، يبقى بيتنا ودفئنا، اسماء احبتنا، وضحكات اطفالنا، يبقى فضاءنا المفتوح على الامل والغد والحلم. يبقى الوطن قمر الروح المسافر في صحراء الشجن ان نحن ابتعدنا عنه قدراً أو اختياراً، أو باعدت بيننا وبينه دواعي الغربة والترحال، وذات يوم بعيد عندما كنت طالبة في الثانوية، حفظت للمغني اللبناني اغنية يقول فيها: انا من ترسم الاغلال في جلدي شكلاً للوطن! منذ يومين استمتعت بلقاء قصير مع عالم الجيولوجيا والفضاء الدكتور فاروق الباز عبر تلفزيون ابوظبي، كان لقاءً جميلاً كشف عن تلقائية العالم العربي وبساطة الانسان المصري الجميل، د. فاروق قال عندما سأله خالد النبوي عن سر تسمية بناته الاربع بأسماء دارجة ومشهورة في القرية المصرية، وعن تمسكه بلهجته الريفية وعما اذا كان قد شعر أو يشعر بالغربة في أميركا حيث يعيش منذ سنوات طويلة: «الوطن في داخلي، مصر في قلبي لا استطيع ان اخرجها او ادخلها، حبي لها ثابت لا يزيد ولا ينقص، وحيثما ذهبت فأنا عربي مصري، وحيثما كنت كانت العروبة والوطن في داخلي، فلا أشعر بالغربة ابداً. متى نشعر بالغربة؟ وهل لرحيلنا عن أوطاننا لأي سبب علاقة باحساس الغربة؟ وما هي الغربة أصلاً؟ في ظني ان الانسان قد يكون غريبا في وطنه وبين أهله وداخل جدران منزله احيانا، الغربة شعور نفسي لا علاقة له بالامكنة، والمسافات، ومن ارتضى العزلة عن الخارج، وفرض هذه العزلة على نفسه وكرسها في أعماق قلبه، فقد سطر حكاية اغترابه، وأغلق بوابات روحه وسقط في بئر العزلة والانفصال وصار شخصاً لا ينتمي إلا لذاته وغربته وأهواء نفسه. يعيش كثيرون خارج أوطانهم، يشعرون بالحنين والشوق ويعانون ألم الفراق وذلك امر طبيعي، أما الغربة فهي أمر آخر، فالغريب كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، واينما ذهب فان غربته الداخلية تمنعه من التفاعل مع المحيط، فيبقى منعزلاً ومعزولاً، حتى اهله واحبته ووطنه يصيرون غرباء عنه، وبعيدون جداً عن أحلامه وأمنياته. حينما أطل من نافذة غرفتي وأجد الفضاء ممتداً ملونا بالاخضر النابض، اقول صحراء بلادي اجمل، وان كانت الطبيعة هنا نعمة الخالق التي لا أجمل منها، اما حينما يشتد زمهرير الشتاء، وتغيب شمس السماء أياماً، فإنني افتح النافذة مجدداً لاقول أيتها المسافات هل لي بشيء من شمس تلك الصحراء التي طالما تأففت منها واشتكيت مع الاصحاب والاحباب قسوتها، وهكذا في كل لحظة وخطوة، يضيء كنجم بعيد، ويشرف كالشمس ويتلألأ كالقمر في ليالي الربيع الحميمة. الوطن سر خالد لا نعرف حتى اللحظة كيف نفك ألغازه، وأبجدية العشق الأولي التي ولدنا ونحن نعرف تفاصيلها دون معلم.. وطني لك كل العشق، ويا أيام الرحيل.. ارحلي.

Email