بعد التحية ـ يكتبها: د. عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 20 شعبان 1423 هـ الموافق 26 أكتوبر 2002 لقد جرب القمع كوسيلة لردع المجرمين عن اجرامهم، فلم يجد وحده في ذلك ولم يخفف من حجم ردود الأفعال المضادة والتي تتضاعف آثارها على الفرد والمجتمع والدولة بشكل عام. وما يحدث اليوم في العالم الأميركي الأوحد يثبت هذه الحقيقة التي تأبى أميركا الاستماع إليها لأنها تضررت في كبريائها، لذا الصوت الذي يخالف توجهاتها العملية في مكافحة الارهاب الدولي، يعتبر نشازاً غير مقبول ابتداء، والنقاش حوله مضيعة للوقت مع ان الوقت الضائع يجب ان يساهم في ايجاد الوسائل الاكثر تأثيراً من القمع وحده. فإذا لم تخرج القمة الفرانكفونية الا بحقيقة صريحة تفوه بها جاك شيراك في ختام مسكه وهي ان مكافحة الارهاب لا تقتصر على القمع وانما على معالجة جذوره وأسبابه، وذلك يتم بالتنمية والمزيد من العدالة بين الشعوب، حيث طالب بأن تساهم العائلة الفرانكفونية في هذه المكافحة وفق هذا التوجه، لأن عكس ذلك يعني الوقوع في الفخ الذي نصبه الارهابيون لنا. فإذا كان من مبررات الارهابيين انهم مقموعون أصلاً في دولهم ومجتمعاتهم، فكيف تتم مواجهتهم بذات المبرر، ثم ننتظر من هؤلاء نشر السلام والمحبة بينهم وبين الآخرين. إن هذا الصلف لا يزيد النار إلا اشتعالاً، فالمحروم من تنمية ذاته ومجتمعه يرى أمامه بقية الشعوب تزداد تقدماً ويرى شعبه في المؤخرة. ولو أضفنا قضية العدالة الى ذلك المبرر فإن الوضع يصبح أصعب بكثير وعلاج ذلك يحتاج الى كثير من التروي والتأني ولا يتأتى بالمزيد من القرارات التي تحول العديد من البشر الى خانة الارهاب والتطرف وإن لم يكن لهم يد فيما حصل في الحادي عشر من سبتمبر 2001م. فشيراك في دعواه يمثل رمز الثقافة الفرنسية التي تتغنى بالرومانسية الخاصة في علاقاتها الأوروبية والعربية، فهي لا تتعامل اليوم مع الأحداث بعقلية المستعمر الذي خلّف وراءه أطناناً من السلبيات في الكثير من جوانب حركة المجتمعات التي تحررت من تلك الربقة في الذل والإهانة الخارجة عن كل الحدود الإنسانية، والجزائر مثال صارخ لما نذهب اليه. فلغة فرنسا اليوم تعلن عن توجه آخر وهي رسالة خاصة موجهة الى أميركا قبل أوروبا، فهذا الصوت الناعم هو الذي يجب على الشعوب العربية والإسلامية حكومة وأفراداً الوقوف وراءه وتشجيعه حتى تنال الأغلبية الأوروبية على أقل تقدير، فمهما كانت أميركا اليوم متجاوزة من الخطوط الحمراء الكثير إلا أن لأوروبا المقبلة على ان تصبح دولة واحدة كذلك وزناً لا ولن يقل عن الولايات المتحدة الأميركية.

Email