استراحة البيان ـ ماذا فعلت «الجودة» بدبي؟ ـ يكتبها اليوم: سعيد حمدان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 19 شعبان 1423 هـ الموافق 25 أكتوبر 2002 من عايش واقع دوائر ومؤسسات دبي قبل الجودة وبعدها، يصعب عليه ان يصدق حجم التحول الذي طرأ ومقياس الزمن القصير الذي تم فيه التغيير. إنها تبدلت تماماً! هذه هي الدوائر نفسها التي كانت قبل خمس وعشر سنوات، المباني نفسها التي كانت فيها أو أجري على بعضها تحديث أو تبديل في الشكل، الرقم ذاته فيما يخص الموازنات المالية التي تصرف لها كل عام مع زيادات قد تكون محدودة في حجمها، كذلك المدراء نفسهم الذين يجلسون على رأس الهرم فيها حال هذه الدوائر قبل عصر الجودة انها كانت مرتعاً خصباً لأمراض البيروقراطية الادارية، كثير من الفوضى ومن التداخلات الادارية والقصور المهني في الانظمة والاشخاص، فيها حالات واشكال من الفساد بمعناه الواسع بدءًا من الواسطة وما تجر خلفها، العديد من هذه الدوائر كان لا يعترف بالكفاءة واصطنع بديلاً عنها وصفة المحسوبية والاقربون أولى.. كان الجمهور فيها يعاني، والموظف يعاني، والاعمال المكلفة بها أو الدور المنوط بها يعاني أيضاً. من عايش هذه المؤسسات في تلك الفترة كان يقول انها ستسقط من ثقل هذه التراكمات والاشكالات والفوضى الادارية، الذي حدث انها ارتفعت ونهضت بدلاً من ترك مؤشر العمل والانتاجية يتجه نحو الأسفل، إذا به يعتدل ويسير في اتجاه آخر وبقفزات سريعة، وكأن هذه المؤسسات انتقلت لتعيش في زمن ومكان آخر مقارنة بمؤسسات الدولة المختلفة، فمن يصدق ان يتحول ذلك المراجع البسيط المظلوم من كثرة الوقوف في طوابير الدوائر، وكثرة المراجعات وطرق الابواب الموصدة، و «سوم» الوجه في حالات عديدة، المنهك بكثرة الطلبات والاستفسارات والمتخوف دائماً ان يسمع لفظ لا، و «روح» يتحول هذا المراجع إلى شخص له تقديره واحترامه، يسعى الجميع إلى تخليص معاملاته، وتوفير كل سبل الراحة لانجاز عمله في أسرع وقت، وصار يؤخذ بشكواه إذا رفع صوته ولم ينجز عمله في وقت قياسي، ووفروا له ما يحقق رضاه بدءًا من ابتسامة الموظف إلى الانجاز السريع، فرضا المراجع أو العميل من الواجبات واللزوميات التي تحث عليها الادارة الحديثة والمفروضة على الدوائر ان تحققها. في الدوائر أيضاً تبدل حال الموظف، أصبحت هناك انظمة ولوائح واضحة وسهل عليه ان يتعرف على حقوقه، والاهم من ذلك ان يأخذ هذه الحقوق، واكتسب مزايا كان يدرسها نظرياً ولا يجدها في الواقع مثل التدريب والتأهيل، وان تهتم المؤسسة بتطوير قدراته الفنية وتمنحه فرص ان يكمل تعليمه ويحصل على أعلى الشهادات. وحصل على أكثر من ذلك، إذ ربطت الانتاجية والكفاءة والابداع عند الموظف بتوفير نظام مرن يسمح لهذا الفرد بالقفز إلى الأعلى ـ الواسطة هنا انجازاته وأعماله وتتحقق له نجاحات وظيفية من ترقيات وعلاوات ودوافع معنوية ومكاسب ما كانت لتتحقق له في الزمن الماضي مهما بذل واجتهد في عمله. في عصر الجودة هذا أصبحت هناك مفاهيم جديدة تتمثل في المنافسة بين الافراد في المؤسسة الواحدة، وبين الدوائر فيما بينها، كذلك أصبحت دورة العمل لا ترتبط بساعات الدوام المحددة، إنما تحولت هذه المؤسسات إلى ورش عمل لا تنام، وأيضاً انتقلت هذه الدوائر لتعيش العصر الحاضر في ثورته العلمية وتقنياته، وأخذت تسعى ان تكون مؤثرة وصانعة ورائدة في حالات عديدة. وأخذت هذه المؤسسات تبتكر برامج وفعاليات تحاول ان تبرز دورها ونشاطها وتأخذ السبق في ميدان الجودة، فمن كان يصدق ان تهتم دائرة ما برعاية الاطفال أو عمل زيارات للمسنين أو اقامة عرس جماعي لموظفيها أو دعم هيئات المعاقين أو رعاية برامج لنظافة وحماية البيئة أو تنظيم موسم ثقافي، انها أفكار ونشاطات الهدف منها خدمة المجتمع، وطبعاً كل ذلك من أجل الوصول إلى الجودة. تحوّل الجودة والريادة الذي فرضه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع على مؤسسات الحكومة المحلية أولاً، جاء انطلاقاً من نظرة ثاقبة نحو المستقبل، وتحديد مكاننا في هذا العالم الجديد والذي ينقصنا لنكون في موقع أفضل. ولأن سموه فرض الشروط ورسم الخط الذي يريده، ومارس الترغيب والترهيب للأخذ بشروط النجاح وان المتقاعس لن يكون له مكان عندنا، هذه القيادة هي التي حققت النجاح بهذه الصورة، وهذه السرعة. وشعار: الفارس الأول واحد، جعل الدوائر تبحث عن المكانة الأولى في الجوائز الدولية، وتتنافس داخلياً من أجل الحصول على جوائز الاداء الحكومي أو جائزة الجودة أو أي تميز واشادة. واستفادت هذه الدوائر من الثورة الفكرية والعملية التي جاءت بها فلسفة الجودة في انها طورت أداءها ونجحت وحققت انتاجية أفضل واستفاد المجتمع من هذا الطموح ومن هذه النقلة التي خطها وأشرف عليها سمو ولي عهد دبي والفريق الذي استعان به سموه لتحقيق هذه الافكار، والمتابعات لم يأت به من القمر، انه من هذا المجتمع، وكانوا في الدوائر نفسها قبل سنوات الجودة، ولم تعط لهم الفرصة ولم يتعرف عليهم الجمهور، وعانوا من الاشكالات والقضايا الادارية المختلفة، لهذا جاءت اطروحاتهم وبرامجهم من الواقع ومن مختلف الميادين التي تشغل الناس، وأيضاً تنشد سير الامارة ومكانتها المستقبلية. ومن أهم الانجازات التي تحسب لفكر الجودة وتطوير قدرات وآلية العمل في المؤسسات هو حجم ونوعية التوطين الذي حدث في دوائر دبي. هذا هو الاهم والاصعب، انه الاستثمار في الانسان، وعندما سئل سمو الشيخ محمد بن راشد مؤخراً عن دور الكوادر الوطنية في انجاح مشاريع دبي، كانت اجابته سريعة: «أنا فخور جداً بشبابنا وبقدراته على العمل وادارة أي مشروع». سرعة الاجابة عنت الرضا والقناعة، وتوكيد سموه بكلمة «جداً» لها أكثر من دلالة ايجابية أهمها الثقة الكبيرة في هذه الكوادر. يبقى ان تنتقل (عدوى) الجودة إلى وزارات ومؤسسات الدولة المختلفة، ان نطبق هذا الفكر في مختلف شئون حياتنا وان نتطور دائماً ونسرع الخطو نحو الأفضل، فهذا هو شرط النجاح في سباق الجودة.

Email